بات معروفاً ان الرئيس الاميركي الحالي جو بايدن تعرّض لضربة قاسية بفعل الحرب على غزة، وانه بات يشعر بسخونة تداعياتها بفعل نتائج الاستفتاءات الاخيرة التي اظهرت تقدم منافسه الجمهوري اللدود دونالد ترامب في ولايات متقلّبة، مع التشديد على ان الجيل الشاب والاميركيين من اصحاب البشرة الملوّنة (السوداء والصفراء) مستاؤون من تدهور الاوضاع الاقتصادية بسبب الحرب على غزّة والاموال الضخمة التي تم تحويلها الى اوكرانيا خلال الفترة الاخيرة بعد دخول الحرب مع روسيا عامها الثالث.
الاستياء من بايدن كان متوقعاً، وخصوصاً من قبل الرئيس الاميركي السابق ومساعديه، لذلك كان الجهد المبذول ليل نهار لانهاء هذه الحرب في اسرع وقت، وقبل الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، او الدخول في المرحلة الحرجة التي تسبق الانتخابات. ولكن ما حصل، هو ان بايدن فشل في وضع حد للحرب خلال شهر او شهرين، على الرغم من بذله كل الجهود وارساله مساعديه وكبار مسؤوليه الواحد تلو الآخر الى اسرائيل ودول الشرق الاوسط لترتيب الامور، لكن حسابات الادارة الاميركية لم تطابق بيدر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أفشل مساعي بايدن واسقطها تباعاً، الى ان ظهر الخلاف بينهما الى العلن.
اليوم، يستفيد ترامب من هذه "اللعبة" وتراه يقوم بكل شيء لاظهار ضعف بايدن وعجزه عن اخذ زمام الامور بيده، فيما يؤكد (اي ترامب) انه لو كان رئيساً، لَمنع حصول حرب غزة وقبلها الحرب بين روسيا واوكرانيا، ولكان الاقتصاد الاميركي في احسن احواله، ولتَمَّ تفادي ازمات وصراعات ومشاكل يعيشها العالم حالياً. في الواقع، هذا الكلام يبقى مفهوماً حين يتعلق الامر بالحملات الانتخابية فقط، ولكن لا يمكن لاحد ان يصدّق انه يمكن تجنّب الحرب ما لم تقف واشنطن الى جانب طرف ضد آخر، ووفق تجربة ترامب، لكان الارجح وقف الى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ان لم يكن بشكل مباشر فبصورة غير مباشرة، ويضع الاوروبيين امام معضلة الابتعاد عن اميركا والاتكال على انفسهم وتمويل اوكرانيا بالمال والسلاح، او السير برؤيته التي كان من الممكن ان تجنّب اوكرانيا الحرب وتجعلها تخسر مساحات جغرافية لصالح الروس.
على خط آخر، لو كان ترامب رئيساً، كيف كان بامكانه منع عملية "طوفان الاقصى"؟ الجواب الذي يصدر عن مؤيدي المرشح الرئاسي الجمهوري الحالي بسيط: التضييق على ايران مالياً وامنياً وعلى الفلسطينيين بشتى الوسائل، وهذا التضييق كان من شأنه قمع اي محاولات او افكار لشن هجوم على الاسرائيليين كالذي حصل في 7 تشرين الاول عام 2023. هذا الجواب غير شافٍ، لانه على مدى سنوات كان ترامب يمارس، خلال ولايته الرئاسية، تضييقاً غير مسبوق على ايران وعلى عدد من الدول، الا ان شيئاً لم يتغيّر على ارض الواقع، ومن المؤكد ان الدعم الذي حصل عليه الفلسطينيون سابقاً لم يكن ليتوقف او يتراجع، ربما كان اختلف التوقيت، ولكن "طوفان الاقصى" كان سيحصل ان لم يكن في تشرين الاول الماضي، ففي شهر آخر، وان لم يكن العام الماضي، ففي العام الحالي... ولو انقلبت الامور في البيت الابيض، لكان اليوم بايدن ينطق بنفس الكلام الذي ينطق به ترامب، وهذا ان دلّ على شيء، فعلى عجزهما معاً عن التعاطي مع الحرب على غزة كما يجب وفرض الارادة الاميركية بطريقة او بأخرى، فيما من المؤكد ان ترامب ونتنياهو كانا تصادما بنسبة اكبر من الصدام الحاصل حالياً بين بايدن ونتنياهو.
من جهته، وبدل ان يردّ على الجبهة نفسها، اختار بايدن مواجهة منافسه الرئاسي على جبهة اخرى، هي الحرب القانونية التي يعمل على كسبها لاضعاف ترامب، وتقويض مصداقيته وقدرته امام الناخبين الاميركيين، لذلك تتوالى الدعاوى على الرئيس الاميركي السابق منها ما يتعلق بالاخلاق، ومنها ما يتّصل بالفساد.
انه سباق الامتار الاخيرة، وسيناريو العام 2020 يعود مجدداً بحلّة جديدة على ما يبدو، فهل ستكون حرب غزة والصراع الروسي-الاوكراني هما "كورونا" الجديدة التي ستطيح ببايدن؟.