لم يُبت الفصل بين محطة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، ومسارات الاقليم، انطلاقاً من الترابط اللبناني السياسي بالأحلاف الخارجية تاريخياً، منذ تأسيس الكيان، مروراً بالاستقلال، وما بعده، وما قبل الحرب اللبنانية، وخلالها، وبعدها، وصولاً الى اليوم.
لا يتعلق المسار بتأثير عاصمة واحدة قريبة كدمشق، او بعيدة كواشنطن، فحسب. بل ان انتخاب الرئيس في لبنان، كان ولا يزال، يخضع لتوليفة خارجيّة، تؤمّن البيئة الداخلية المناسبة لانتخاب رئيس للجمهورية.
واذا كانت الرغبة الداخلية للفصل بين حرب غزة وتداعياتها، عن ملفّ الرئاسة في لبنان، فإن ما تطمح اليه عواصم العالم، هو تسويق سلة تسووية بشأن لبنان: وقف المشاركة بالحرب جنوباً، انتخاب رئيس جديد، تحضير مؤتمرات اقتصادية داعمة للبنان.
لا تزال تلك الرغبة تحرّك العواصم، وفي طليعتها باريس، التي قدّمت مبادرة، اساسها تطبيق القرار الدولي ١٧٠١، وهي لا تزال تخضع حالياً لتعديلات بناء على الملاحظات والاجوبة اللبنانية والاسرائيلية.
يترقب لبنان مسار الحراك الدولي عبر اللجنة الخماسية التي يتمثّل فيها سفراء الدول المعنية، وهي لجنة استطلاعية من جهة، وتنفّذ تعليمات دولها من جهة ثانية. لكن تلك اللجنة لا تصنع اسم الرئيس، ولا تستطيع ان تفرض خياراً محدّداً، بل هي تملأ الفراغ حالياً، وتبقى على جهوزية لمواكبة التسوية الآتية، التي ستُصنع ما بين الخارج والداخل، بشأن سلة لبنانية، من بينها اسم رئيس الجمهورية العتيد.
يبني اللبنانيون تفاؤلاً واضحاً بإمكانية ان تحمل الاسابيع المقبلة جديداً، يلاقي المعلومات التي تتحدث عن ثمار شهر حزيران. لماذا؟.
بدأت المؤشرات تتظهّر في سوريا، وكأن هناك صفقة ما قد تمّت بشأنها، بعيداً من الاضواء:
اولاً، جرى سحب مشروع القانون الأميركي لمعاقبة التطبيع مع سوريا، وسحب قانون الكبتاغون رقم اثنان.
ثانياً، التوجه الفرنسي نحو سحب المذكرة التي تخص الرئيس السوري بشار الأسد، وهي رسالة حسن نوايا من قبل فرنسا والاتحاد الأوروبي، تماشيا مع المستجدات.
ثالثاً، اتى اللقاء بين الرئيس السوري وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على هامش قمة البحرين العربية، في ظلّ مجموعة إجراءات كانت بدأت بين سوريا والسعودية، في مقدمها السماح للطائرات السوريّة بالهبوط في أربع مطارات في المملكة العربية السعودية، بإنتظار الانتهاء من صيانة طائرتين سوريتين موجودتين منذ بدء الازمة السورية في السعودية، لإعادتهما الى دمشق.
رابعاً، تحضير عدد من العواصم الاوروبية سفراء لارسالهم الى سوريا، واعادة العلاقات مع دمشق.
خامساً، قيام الاسد بحركة تصحيحية بيضاء داخل حزب البعث، عبر تعيين قيادات جديدة لمواكبة المرحلة الاتية.
امّا المؤشرات الاقليمية المهمة ايضاً، فتعدّدت:
اولاً، لا تتعرض القواعد والمراكز العسكرية الاميركية في العراق وشرق سوريا الى ضربات من "محور المقاومة" الذي تقوده ايران، رغم حدة المواجهات في غزة، والصواريخ المُرسلة لبنانياً وعراقياً ويمنياً ضد اسرائيل.
ثانياً، تراجعت عمليات المشاغبة ضد ايران، التي كانت تقوم بها فصائل كردية حليفة لواشنطن، على الحدود العراقية-الايرانية.
ثالثاً، خفّت وتيرة الاستهدافات للمواقع والمراكز الايرانية في سوريا، بعد استهداف اسرائيل للقنصلية في دمشق، والرد الايراني عليه، وما بينهما من محاولات واشنطن لضبط الساحة.
رابعاً، محاولة بغداد لعب دور الوسيط في ضبط المسار الغربي-الايراني، في وقت تستمر فيه سلطنة عُمان بقيادة المفاوضات بين طهران وواشنطن.
خامساً، رغبة حلفاء ايران بإنجاح مهمة المبعوث الاميركي اموس هوكشتين الى لبنان، لكن بعد انتهاء حرب غزة، في وقت لا تظهر الاندفاعة نحو المبادرة الفرنسية.