لبنانُ-روما قِصَّةُ أُسطورَةٍ رَعَنَت لِتَنتَقِمَ مِنَ الحَقيقَةِ.
لَيسَ سِرَّاً أنَّ "الإتروسكَ" بُناةُ حَضارَةِ إيطاليا القَديمَةِ، وَمِنها الى بِلادَ الغالِ، هُمُ مِن أبناءِ صورَ Týros وَمُتَحَدِّرينَ مِنهُمِ. يَذكُرُهُمُ هيرودوتُ تَحتَ إسمِ Τυρρηνοί (Tyrrhēnoi)، وَيَنسُبُهُمُ الى Tyrrénos قائِدِهِمِ مِنَ الحاضِراتِ التي أسَّسَها قُدموسُ في بِلادِ الإغريقِ حينَ قَصَدَها بَحثاً عَن شَقيقَتِهِ اوروبا الخاطِفُها إلَهُ آلِهَتِهِمِ.
هُمُ بَقوا أوفِياءَ لِإرثِ صورَ-الأُمَّ، فَبَنوا هُناكَ حَضارَةً إمتَّدَت مِن أُفولِ العَصرِ البرونزيِّ حَتَّى سُقوطِ آخِرَ مُدُنِهِمِ Velzna، على يَدِ الجَيشِ الرومانِيِّ في العامِ 264 قَبلَ الميلادِ. وإنتَظَموا في 12 حاضِرَةٍ-دَولَةٍ دُعِيَت duodecim populi أو dodecapolis بالنَظَرِ لا الى عَدَدِها فَحَسبِ بَل لِلعَلاقَةِ في ما بَينَها، الَتي أرادوها: "رابِطَةً"، عاصِمَتُها السِياسِيَّةُ-الإقتِصادِيَّةُ Nola وَمَركَزِيَّتُها الروحِيَّةُ Pompei، وَقائِمَةً على نِظامٍ واحِدٍ، قوامُهُ الإيمانُ بِثالوثِيَّةٍ إلَهِيَّةٍ (الإلَهُ الأبُ، الإلَهَةُ الأُمُ، والإلَهُ الإبنُ)، والمُساواةُ بَينَ الرَجُلِ والمَرأةِ، والقِيَمُ العائِلِيَّةُ، وَتَربِيَةُ الشَبيبَةِ على إحتِرامِ الأخلاقِيَّاتِ، وَحُكمٌ مَلَكِيٌّ غَيرُ وِراثيٍّ، إذ يَلتَئِمُ مَجلِسُ الشُيوخِ-الحُكَماءِ لِلرابِطَةِ بِهَيئَةِomni Etruriæ concilium في هَيكَلِ الإلَهِ الأبِ Voltumnae fanum لِيِنتَخِبَ المَلِكَ، وَيُكَرِّسُ الشَعبُ القَرارَ مانِحاً المَلِكَ-المُنتَخَبَ الـimperium، سُلطَةَ الحُكمِ.
كَما وَطَّدوا عَلاقاتِهِمِ مَعَ صورَ وَقَرطاجَتَها، فإعتَمَدوا التَنظيمَ المُدُنِيَّ عَينَهُ: الهَيكَلُ وَسَطاً، وَحَولُهُ تَتَكَوكَبُ الحاضِرَةُ، وِفقَ هَندَسَةٍ جيوإستراتِيجِيَّةٍ-دِفاعِيَّةٍ صَلبَةٍ، تُخَصَّصُ بِداخِلِها مَساحَةً لِمَدافِنَ المُتَوَفِّينَ مِن أبنائِها تَخلِيداً لِذِكراهِمِ. كَما طَوَّروا الأبجَدِيَّةَ الُلبنانِيَّةَ-الفينيقِيَّةَ التي حَمَلَها قُدموسُ، مُدخِلينَ عَلَيها تَحديثاً يِتِلاءَمُ والَلهجاتِ المَحَلِيَّةِ المُحيطَةِ بِهِمِ، وِفقَ شَهادَةِ "الفابائِيَّةِ مَرسيليانا (العامِ 700 قَبلَ الميلادِ) بِأحرُفِها ال26، وَمَوسوعَةِ الـCorpus Inscriptionum Etruscarum، المُتَضَمِّنَةِ أيضاً الأرقامَ الحِسابِيَّةِ... إضافَةً الى إتقانِهِمِ الزِراعَةَ، وَصِناعَةَ السُفُنِ، والعُلومَ.
هي بَداءَةُ وجودٍ مِن مَخاضِ الحَقيقَةِ، يَفتَحُ الأبوابَ الموصَدَةَ لِلرؤى الجامِعَةِ.
كالحاوِيُ، المُجاوِرُ الحَقَّ في صَفاءِ إلتِزامِهِ، يَصطَحِبُ لِلأعماقِ مَن في عُزلَةٍ عَنِ التَرَقِيَّ.
يَقينِيَّةُ الحَياةِ المُتَواصِلَةِ
لَكِنَّ روما-القَبائِلَ ما إبتَغَت حاضِراتِ التَسامِيَ، فإعتَصَمَت بأُسطورَةِ السَطوَةِ والإنتِقامِ: الأَخَوانُ أموليوسُ وَنوميتورُ تَقاتَلا لِعَرشٍ. إنتَصَرَ أموليوسُ، فَقَتَلَ أبناءَ نوميتورَ وَنَفى إبنَتَهُ ريا-سيلفيا التي أنجَبَتِ تَوأمانَ: ريموسُ وَرومولوسُ. فَقَطَعَ رأسَها وألقى طِفلَيها في التيبرِ. أنقَذَتهُما ذِئبَةٌ وَرَبَّتهُما. فأقاما روما على ضِفافِهِ... وَإختَلَفا حَولَ حُدودِها. فَقَتَلَ رومولوسُ ريموسَ. وَمَعَ المُجرِمينَ، تَخَلَّصَ مِن خُصومِهِ، وَنَصَّبَ ذاتَهُ مَليكَها.
غَيرَ أنَّ نَقيضَ الأُسطورَةِ هو الحَقُّ، إذ تَوالى على حُكمِ روما المُؤَسِّسُها الإتروسكُ مُلوكٌ مِن بَينِهِمِ. وَبِفَضلِهِمِ أصبَحَت، قُرابَةَ العامِ 650 قَبلَ الميلادِ مَدينَةً، إذ قاموا بِتَجفيفِ المُستَنقَعاتِ المُحيطَةِ بِها، وَشَقُّوا الطُرُقَ، وَرَفَعوا الجُسورَ، وَأنشأوا سوقَ المِاشِيَةِ Forum Boarium وَالـForum Romanum سوقَها المَركَزِيَّ. كَما أعلوا في الكابيتولَ مَعبَدَ الإلَهِ الأبِ...
...وَفي العامِ 509 قَبلَ الميلادِ، غَلَبَتِ الأُسطورَةُ الحَضارَةَ، فَطَرَدَ الرومانُ آخِرَ مُلوكِ الإتروسكِ Lucius Tarquinius Superbus وَأقاموا كَيانَ الجَيشِ "الما بيخلَص"، مُستَبيحَ صورَ وَقرطاجَةَ وَحاضِراتَ قُدموسَ، والمُهَيمِنَ على العالَمِ لِخَمسَةِ قُرونٍ.
لبنانُ-روما قِصَّةُ أُسطورَةٍ حَوَّلَتِ العُنفَ والإحتِلالَ نِظامَ حُكمٍ جَماعِيٍّ يَغدو طَبيعَةً. قَبلَها، كانا نُزوَةً فَردانِيَّةً لِمُتَصَوِّبينَ في تَطَبُّعِ الإستِكبارِ.
...مِنهُ، لِتَفَلُّتِ الأُسطورَةِ: كُلُّ روما في الأرضِ عِلَّةٌ لِزَوالٍ. وَكُلُّ لبنانٍ يَنتَحي في مَبدَئهِ كاللهِ هو: لِيسَ مُغلَقاً في نِهائِيَّةٍ، بَل فِعلُ حَياةٍ مُتَواصِلَةٍ. يَقينِيَّتُهُ اللاتُهزَمُ: نِقطَةُ التَحَوُّلِ بِوَجهِ الظُلمِ المُتَدَفِّقِ لِمُعاكَسَتِهِ.