بدأت أسعار الذهب في الارتفاع من أوائل شهر مارس بعد تداولها ضمن نطاق مستقر إلى حد ما لعدة أشهر، ومنذ ذلك الحين، ارتفعت أسعار الذهب بأكثر من 16% على مدار شهر ونصف سجلت خلالها سلسلة من الأرقام القياسية، ووصلت لأعلى مستوياتها على الاطلاق فوق 2400 دولار للأونصة في منتصف شهر أبريل تراجعت عن تلك المستويات لتتداول حاليًا في نطاق 2300 دولار، وتعود تلك المكاسب الرائعة إلى التوقعات المتزايدة بخفض أسعار الفائدة الأمريكية خلال هذا العام والتوترات الجيوسياسية التي ظلت مشتعلة لأشهر.

يقول الاقتصاديون إنه مع اقتراب البنك الاحتياطي الفيدرالي من خفض أسعار الفائدة، فمن المتوقع أن تصل أسعار الذهب إلى 3000 دولار للأوقية، مما يشير إلى ارتفاع محتمل بنسبة 30% عن المستويات الحالية.

ذكر تقرير حديث إن التحرك الأخير للذهب كان "مثيرًا للإعجاب بشكل كبير" لأنه لم يتفوق على البيتكوين وجميع العملات الرئيسية فحسب، لكنه تغلب أيضًا علي الرياح المعاكسة الكلية التى غالبًا ما تؤثر على أسعار الذهب مثل قوة الدولار الأمريكي القوي وتراجع توقعات التضخم، والتي من شأنها أن تضر عادة بأسعار الذهب، لكن استطاع المعدن الأصفر أن يتغلب عليها جميعًا.

معدلات الطلب

دعم الطلب المادي القوي من البنوك المركزية في العالم والمستثمرين الأفراد الذهب، يقول أحد محللي سوق السلع أن المحرك الرئيسى لوصول أسعارتداول الذهبإلى مستويات مرتفعة جديدة ليس من جانب العرض (حيث كان العرض مستقرا فى السنوات الأخيرة) ولكن من جانب الطلب، ويرجع ذلك أساسا إلى إعادة البنوك المركزية في العالم التعامل مع الذهب كأصل احتياطي.

ومع قلق العديد من دول العالم مثل الصين وروسيا وتركيا وبولندا وغيرها من الاعتماد المتزايد علي الدولار الأمريكي، اتجهت العديد من الدول إلي الذهب بحثًا عن الأمان ضد المخاطر الاقتصادية، حيث عملت البنوك المركزية على زيادة حيازاتها من الذهب على نطاق واسع.

وتزايد الطلب على الذهب من قبل دول الأسواق الناشئة وفي مقدمتهم الهند والصين، في حين تخلف المستثمرون الغربيون حيث أدت أسعار الفائدة المرتفعة وطفرات أسعار الأسهم في الدول الغربية إلى تقويض جاذبية الذهب منخفض العائد.

قام البنك المركزي الصيني بشراء الذهب كاحتياطي في شهر مارس للشهر السابع عشر على التوالي، مواصلًا موجة الشراء طويلة الأمد التي ساهمت في ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، ووفقا للبيانات الصينية الرسمية الصادرة، فقد زادت حيازات بنك الصين من الذهب إلى 72.74 مليون أوقية في شهر مارس مقارنة بـ 72.58 مليون أوقية في نهاية فبراير.

أظهرت بيانات منمجلس الذهب العالميأن احتياطيات البنوك المركزية العالمية من الذهب زادت بمقدار 19 طنًا في فبراير وكان هذا هو الشهر التاسع على التوالي من زيادة الحيازات، لكن البيانات أظهرت تباطؤا، مع انخفاض المشتريات في ذلك الشهر بنسبة 58% مقارنة بشهر يناير.

ومنذ بداية العام أبلغت البنوك المركزية عن زيادة قدرها 64 طنًا في يناير وفبراير، أي أقل بنسبة 43% عن نفس الفترة من عام 2023 ولكن أكثر بأربع مرات مما كانت عليه في عام 2022.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الاستخدام الصناعي المتزايد وخاصة في صناعة الإلكترونيات النشطة للغاية هو محرك آخر لأسعار المعادن الثمينة، قال تقرير: إن الطفرة في تصنيع الشرائح الالكترونية تؤدي بلا شك إلى زيادة الطلب على الذهب المادي، وهذا الطلب لن يختفي في أي وقت قريب.

مخاوف متزايدة في ظل عدم اليقين

لا تزال الحروب مستمرة في أوكرانيا وغزة، ولا تزال احتمالات التصعيد إلى دول أخرى معلقة في السوق، لهذا يعود الارتفاع الأخير في أسعار الذهب إلى المخاطر الجيوسياسية العالمية المتصاعدة وتوقعات الاقتصاد الكلي الذي لا يمكن التنبؤ بها.

يقول أحد المحللين: "أنه لا جدال في أن العلاقات الدولية تتحرك في اتجاه أكثر مواجهة وعسكرة وأكثر استقطابا، وبالتالي أصبحت وظيفة التحوط من المخاطر في أسعار الذهب ذات أهمية متزايدة، ومع وصول نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة إلى 120% وارتفاع تكلفة الخدمات، يزيد المستثمرون من حيازاتهم من الذهب وسط حالة من عدم اليقين تجاه نتائج الانتخابات واحتمالية حدوث أزمة مالية تلوح فى الأفق، لهذا فإن سبائك الذهب تجتذب المستثمرين الذين يتطلعون إلى تنويع محافظهم الاستثمارية والتحوط ضد عدم اليقين".

هل سيكسر الذهب حاجز 3000 دولار للأونصة؟

مع استمرار الذهب في الحفاظ على زخم ثابت، يتوقع الخبراء أن ترتفع أسعار الذهب بنسبة 15% أخرى وربما 30% مع بدء البنوك المركزية في خفض أسعار الفائدة، وأشاروا إلى العلاقة العكسية التاريخية للمعدن الثمين مع أسعار الفائدة كدليل.

بناء على أداء الذهب في الآونة الأخيرة، قد يكون عائد الذهب في عام 2024 أعلى بكثير مما توقعناه في بداية العام، ومع استقرار الأسعار في شهر مايو قد يعود بعض المشترين إلى السوق، في حين سيستمر المستثمرون في النظر إلى الذهب باعتباره أصلًا جيدًا للملاذ الآمن أثناء انتظارالاخبارعن قيام البنك الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة ونتائج الانتخابات الأمريكية المثيرة للجدل.

اقترح الخبراء سيناريو "الهبوط الناعم" للاقتصاد الأمريكي بافتراض عودة أسعار الفائدة الحقيقية العالمية إلى متوسطها قبل عام 2000 (أعلى من فترة الركود في فترة ما بعد الأزمة المالية العالمية)، فإن هذا من شأنه أن يتسبب في انخفاض الدولار بنحو 2% ودفع أسعار الذهب إلى الارتفاع بمقدار 10%.

ولكن إذا حدث ركود، مع عودة أسعار الفائدة الحقيقية العالمية إلى متوسطها في الفترة 2014 -2024، واستقرار أسواق الأوراق المالية، فهذ من شأنه أن يتسبب في انخفاض قيمة الدولار بنحو 8% وسيرتفع الذهب بنحو 15% مما يضعه في نطاق 2500 دولار.

ما تحتاج إلى معرفته قبل الذهب

إذا كنت ترغب في إضافة الذهب إلى محفظتك الاستثمارية، فإن أسهل طريقة هي شراء صندوق استثمار متداول يتتبع سعر الذهب، يتيح لك القيام بذلك تتبع أداء الذهب مقارنة ببقية محفظتك ويوفر عليك إنفاق ثروة لامتلاك

الأصل المادي، صندوق الاستثمار المتداول للذهب هو أداة مالية تسمح للمستثمرين بالمشاركة في سوق الذهب دون امتلاكه فعليًا.

على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، حققت صناديق الاستثمار المتداولة التي تتبع السعر الفوري للذهب عائدًا بنسبة 5.5% سنويًا، في حين حقق مؤشر S&P 500 عائدًا بنسبة 15.3% سنويًا.

أما بالنسبة للتضخم، فإن الذهب لديه سجل مختلط، فعلى الرغم من أن التضخم ظل مستقرًا منذ عام 1988، إلا أن الذهب حقق عوائد سلبية في 18 عامًا بما في ذلك عامي 2021 و 2022 وهما عامين شهدا تضخمًا مرتفعًا بشكل خاص.

يفضل بعض المستثمرين الاحتفاظ بكميات صغيرة من الذهب لأنه يوفر لهم الأمان عند انخفاض الأصول الأخرى، يوصي الخبراء بأن يستثمر الأشخاص ما لا يزيد عن 10% في الذهب في محافظهم الاستثمارية، يمكن أن يساعدهم ذلك على تنويع محفظتهم الاستثمارية وحمايتهم من الانكماش في الأصول الأخرى التي تستثمر فيها، متبعًا القول المأثور "لا تضع كل البيض في سلة واحدة"، ولكن على المدى الطويل، من الأفضل امتلاك الأصول التي تنمو وتحقق عوائد بفائدة مركبة.