على وقع التحوّلات التي تشهدها المنطقة، منذ السابع من تشرين الأول الماضي، جاء تعيين المملكة العربية السعودية أول سفير لها في سوريا منذ بداية الحرب السورية فيصل المجفل، الأمر الذي لا يمكن فصله عن التحولات الأخرى، التي من الممكن أن تشهدها المنطقة أيضاً بعد إنتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، نظراً إلى التداعيات التي من الممكن أن تنتج عن أي تسوية، من المفترض أن تكون شاملة.
في هذا السياق، من الضروري التذكير أن الرياض كانت قد أعلنت، في شهر أيار من العام الماضي، استئناف عمل بعثتها الدبلوماسية في سوريا، في حين كانت دمشق قد بادرت إلى تعيين سفيرٍ لها في السعودية، في شهر كانون الأول الماضي، هو أيمن سوسان، وبالتالي مسار العمل على خط العلاقات بين البلدين ليس بالجديد، لكنه كان يصطدم بالعديد من العراقيل، أبرزها رفض بعض الجهات الدولية، خصوصاً الولايات المتحدة، سياسة الإنفتاح العربي على سوريا، التي كانت قد برزت منذ القمة العربية التي عقدت في الرياض.
إنطلاقاً من ذلك، تذهب مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى التأكيد بأن هذه الخطوة جزء من مسار عام، من المفترض أن يستكمل على نحو أوسع في المرحلة المقبلة، وتشير إلى أن الإتصالات بين الجانبين كانت قد قطعت شوطاً طويلاً في الفترة الماضية، وهي تعكس حرصاً من المملكة العربية السعودية وسوريا على المضي بإعادة العلاقات إلى طبيعتها، خصوصاً أن هناك مروحة واسعة من المصالح المشتركة بينهما، وتضيف: "تعيين السفير السعودي جاء تأكيدا على أن لا عودة عن قرار الإنفتاح على سوريا، بالرغم من أن البعض سعى إلى ذلك، من منطلق أن دمشق لم تلتزم بما تعهدت به".
هنا، تشير المصادر نفسها إلى أن هذه الخطوة جاءت بعد اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس السوري بشار الأسد قبل أيام، على هامش القمة العربية التي عقدت في العاصمة البحرينية المنامة، وتؤكد أن التداعيات على مستوى الملفات الإقليمية ستكون كبيرة، خصوصاً أن لدى الرياض رغبة في الإستفادة من الدور السوري في بعضها، لا سيما في ظل المخاوف القائمة من بروز موجات جديدة من التطرف بعد العدوان على غزة، وهو ما يأتي من ضمن السياسة السعودية الجديدة القائمة على الإنفتاح على اللاعبين الإقليميين، ما يترجم على صعيد العلاقة مع إيران أيضاً، حيث تسعى إلى إنهاء المشاكل والتركيز على تعزيز التنمية وخطة التحولات الاقتصاديّة.
في القمة العربية التي عقدت في الرياض، كان الرئيس السوري قد أشار إلى أن "الإنسان يمكن أن ينتقل من حضن لآخر لكنه لا يغير انتماءه، ومن يغيره فهو من دون انتماء من الأساس ومن يقع في القلب لا يقبع في حضن وسوريا قلب العروبة وفي قلبها". الأمر الذي من الممكن الإستناد إليه في النظرة إلى العنوان الذي يطرح دائماً، بالنسبة إلى العلاقات السورية العربية، من خلال وضعها في سياق السعي إلى إعادة دمشق إلى الحضن العربي.
بالنسبة إلى المصادر المتابعة، هناك نقطة مفصلية لا يمكن تجاهلها على هذا الصعيد، بالنسبة إلى الموقف السوري، حيث تلفت إلى أن من الطبيعي الحديث عن أن دمشق تراهن على أن يقود الإنفتاح العربي إلى تحسين الأوضاع الإقتصادية في الداخل السوري، إلى جانب المساهمة في عملية إعادة إعمار ما دمرته الحرب منذ العام 2011، لكنها توضح أن هذا الأمر لا يتوقف عند الرغبتين العربية والسورية فقط، بل أيضاً على مواقف جهات دولية أخرى، لا تزال تضع الفيتوات التي تحول دون التعاون في هذا المجال، وتعتبر أن قانون قيصر الأميركي يمثل عقبة أساسية على هذا الصعيد.
في قراءة المصادر نفسها، السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا يتعلق بقدرة الدول العربية، تحديداً الفاعلة منها، على تجاوز تلك الفيتوات، نظراً إلى أنها الأكثر قدرة على فرض تحول في التعامل مع سوريا على المستوى الدولي، وتلفت إلى أن هذا الأمر من الممكن أن تساهم فيه السعودية على نحو واسع، لكنها تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول إمكانية أن يكون ذلك في وقت قريب، حيث ترى أن البحث في كل ملفات المنطقة، من الناحية العملية، يتجه إلى التأجيل إلى ما بعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية.
في المحصلة، ترى هذه المصادر أن ما يمكن التأكيد عليه هو إستمرار مسار الإنفتاح العربي على دمشق، الذي لا ينفصل عن تقدم كبير على مستوى العلاقات السعودية السورية على المستوى الثنائي، لكنها تشير إلى أن التحول، الذي من المفترض أن يكون له تداعيات كبرى، لا يزال يحتاج إلى المزيد من الوقت، من أجل لمعالجة العديد من المعوقات التي تقف في طريقه.