تشبه مشكلة سميرة (إسم مستعار)، وهي واحدة من كثيرات، قصة المرأة التي عانت وتحمّلت كثيراً من أجل أولادها نتيجة تعذيب الزوج لها ولأبنائها طيلة سنوات، المرأة التي تقرّ أنها ورغم ثقافتها العالية أساءت إختيار شريك حياتها، ودفعت الثمن غالياً نتيجة معاناتها لسنوات طويلة وطويلة جداً، وإنتهى بها الامر أن تناست أوجاعها وحبستها كرمى لأولادها الذين دمرتهم الضربات التي وُجّهت لهم، ممن يفترض أن يكون أحنّ الأشخاص عليهم.

أصيبت سميرة باكتئاب بعد أعوام من زواجها، ولأنها لم تعد تحتمل الأوجاع النفسية التي رافقتها طيلة تلك السنوات، إختارت اللجوء إلى المعالج النفسي لتضميد تلك الجراحات، ولكن دون اللجوء إلى ذلك عبر الدواء، لأنّه وبحسب الاخصائي النفسي فادي أبو غانم فإنّ "مسار تناول الدواء قد "ينيّم" المشكلة، ولا يؤدي إلى معالجتها أو ينهيها".

تروي سميرة أنّ رحلة علاجها استغرقت حوالي تسع سنوات، وهي ساعدتها على تقبل الأمر ورؤيته من منظار آخر، وتشير إلى أنّه "في رحلة العلاج هذه عادت إلى طفولتها، أيّ إلى كلّ الأمور التي حصلت معها سابقاً"، لافتة إلى أنّ "المعالجة النفسيّة ساعدتها على تقبّل الأمر الواقع، والنهوض من الأزمة التي عانتها".

وعن هذه الحالة وسواها، يؤكد المعالج النفسي فادي أبو غانم أن "أولى علامات ظهور مشكلة لدى المريض هي هل لديه قدرة على الحبّ كما يجب؟ وعندما نتحدث عن الحب يعني كل أنواعه: العلاقة مع الزوجة أو الحبيبة أو الأولاد، أو لا قدرة لديه على التحمّل أو التفكير بماذا يريد الآخر، وهو ينظر فقط إلى حاجاته الشخصية"؟! لافتاً إلى أن "المريض يصل إلى وضع لا يستطيع فيه أن يقوم حتّى بواجباته اليوميّة التي كان يقوم بها سابقا"، مضيفاً: "عندما يصل الانسان إلى هذه الحالة يكون أمام خيارين، إما الذهاب إلى الطبيب النفسي أو المعالج، والأوّل يساعده عبر الدواء، أما المعالج فيزيل عنه كلّ المشاكل بالعودة إلى ماضيه وطفولته، ومساعدته على رؤية الأمور بطريقة مختلفة تماماً".

الأساس في كلّ هذا المسار هو أن يقوم المريض بالخطوة التي فيها يقتنع أنه يعاني من مشاكل ويريد حلّها، وهنا تبدأ رحلة الألف ميل بالعلاج وهي الاقتناع بوجود مشكلة. ويشير فادي أبو غانم إلى أنه "للأسف لا يزال أغلبية الناس ينظرون إلى المشاكل النفسية على أنها عيب أو أمراض لا يجب كشفها أو مصارحة الناس بها"، مؤكداً في نفس الوقت أن "كلّ ما يطرح في الجلسة يبقى سراً لا يمكن كشفه لأيّ شخص، وهذا من أخلاقيّات وأدبيّات وأصول المهنة، وفي القانون الذي ينظّم العلاقة والمهنة في آن".

في المحصّلة، إذا كان المرء يعاني من مشاكل نفسيّة لا يجب أن يتوانى عن استشارة المعالج النفسي، لأنّه وبهذا الشكل فقط يمكنه أن يتخلص مما يعانيه.