لا يمكن النظر إلى الطرح الذي تقدم به الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الجمعة الماضي، بهدف إنهاء الحرب في قطاع غزة، إلا على أساس أنه مبادرة من الرجل لمحاولة إنقاذ نفسه، بعد أن تحولت هذه الحرب إلى لاعب أساسي في الإنتخابات الرئاسية الأميركية، وبالتالي هو يسعى، من خلال محاولة الوصول إلى تسوية، للحصول على ما يمكن أن يمنع عنه الهزيمة أمام منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب.
من حيث المبدأ، لا يمكن التعامل مع هذه المبادرة إلا بجدية تامة، حيث تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الرئيس الأميركي ما كان ليخرج علناً للحديث عن تفاصيلها، فيما لو لم تكن لديه معطيات إيجابية، وتشير إلى أن واشنطن تعمل لإنجاحها من خلال الضغوط التي تمارسها على مختلف الجهات المعنية، وهي لهذه الغاية تستعين ببعض الدول العربية للضغط على حركة "حماس".
في هذا السياق، تتعامل "حماس" بإيجابية مع المقترح الأميركي، الذي قيل أن أساسه مبادرة وافقت عليها تل أبيب، لكن في المقابل تبقى قيادة الحركة حذرة بالنسبة إلى التفاصيل، لا سيما أن واشنطن، منذ بداية العدوان على قطاع غزة وجنوب لبنان، تعبر عن المصالح الإسرائيلية بشكل كامل، بالرغم من الخلافات التكتيكية بين الجانبين التي كانت تظهر بين الحين والآخر. أما على المستوى اللبناني، فإن الرهان قائم على إمكانية أن تنجح هذه المبادرة، من أجل أن ينعكس ذلك على الأوضاع على الجبهة الجنوبية، خصوصاً مع ارتفاع وتيرة التصعيد على هذه الجبهة في الأيام الماضية.
في هذا الإطار، تشير المصادر نفسها إلى أن التصعيد الإسرائيلي، حتى الآن، لم يخرج عن المتوقع، حيث أن تل أبيب تمارس هذه السياسة للضغط أكثر على "حزب الله"، وهي تسعى، بالإضافة إلى ذلك، إلى فرض معادلات جديدة، لكنها لم تنجح في ذلك، بسبب السياسة المعتمدة من قبل الحزب، التي تقوم على أساس الرد على التصعيد بالتصعيد المقابل، ضمن إطار الدور المحدد لهذه الجبهة، أي أنها في الأساس لمساندة قطاع غزة.
على الرغم من الواقع الحالي، الذي يشير إلى أن فرص الوصول إلى تسوية في القطاع الفلسطيني كبيرة جداً، إلا أن هذا لا يلغي المخاوف التي لا تزال قائمة على احتمال أن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يمارس مناورة جديدة، خصوصاً أن الجميع يدرك أن الرجل يخشى من تداعيات إنتهاء الحرب على مستقبله السياسي، وبالتالي هو مضطر إلى موازنة أي قرار بهذا الشأن بشكل دقيق.
على هذا الصعيد، تلفت المصادر السياسية المتابعة إلى أن نتانياهو، في ظل الضغوط التي يتعرض لها على المستويين الداخلي والخارجي، قد يكون مضطراً للذهاب إلى التسوية، خصوصاً أن تل أبيب فشلت في تحقيق أي من الأهداف التي كانت قد أعلنت عنها منذ بداية العدوان على قطاع غزة، لكنها تشدد على أن ذلك لن يكون بأقل ثمن، بل هو يحتاج إلى ضمانات بالنسبة إلى مستقبله السياسي، أو إلى إنتصار يستطيع أن يقدمه إلى الرأي العام الإسرائيلي.
هنا، توضح هذه المصادر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان، في الفترة الماضية، قد تعرض إلى ضغوط كبيرة من قبل شركائه في الحكومة الذين يدورون في الفلك الأميركي، وصلت إلى حد التهديد بالإنسحاب من الحكومة، لكن بعد مقترح بايدن، برزت تهديدات أخرى من قبل حلفائه من الأحزاب اليمينية المتطرفة، الأمر الذي يجعله في وضع لا يحسد عليه، لكن يمكن البناء على بعض الإشارات التي وصلته من بعض الجهات المعارضة.
في المحصلة، تربط المصادر نفسها ذهاب نتانياهو إلى تسوية بالضمانات التي سيحصل عليها، حيث تلفت إلى حديث زعيم المعارضة يائير لبيد عن "شبكة أمان لرئيس الوزراء من جانبنا لإبرام اتفاق رهائن"، حيث تعتبر أن ذلك قد يكون من الضمانات التي يحتاج إليها، ما قد يؤدي إلى إنقاذ الرئيس الأميركي من هذا المأزق، وربما يكون مقدمة لتسوية كبرى على مستوى المنطقة، في حال وافق على الذهاب بعيداً في ما يطرح على طاولة المفاوضات.