تسابقت المبادرات الداخلية في لبنان، لتقريب المسافات بين القوى السياسية، في محاولة الوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية. لم تعد كتلة "الاعتدال الوطني" صاحبة المبادرة الوحيدة، يسعى الحزب "التقدمي الاشتراكي" إلى كسر الجمود الداخلي ايضاً عبر جولات وفد كتلة "اللقاء الديمقراطي"، لتحقيق الغاية ذاتها.

الاّ ان دخول رئيس التيار "الوطني الحر" النائب جبران باسيل على خط المبادرات، طرح علامات استفهام: لماذا اختار باسيل توقيت حراك "اللقاء الديمقراطي"؟ وهل فعلاً اراد ان يستبق اي مشروع تسوية خارجية بشأن لبنان؟.

تكمن اهمية حراك باسيل أنه:

اولاً، يكسر الجمود السياسي السلبي القائم في الساحة المسيحية، ويتقدم خطوة مهمة، نحو القبول بالتشاور الوطني او الحوار، الذي يدعو اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري.

ثانياً، يُخرج باسيل تياره من مساحة العزل السياسي الذاتي، التي يضع رئيس حزب "القوات" سمير جعجع نفسه فيها طوعياً، خصوصاً انّ الملف الإشكالية، هو رئاسة الجمهورية، التي لها اعتبارات اساسية في الحسابات المارونيّة. فهل يُعقل ان تتحرك الكتل والقوى السياسية غير المسيحية على صعيد الدفع نحو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بينما تبقى الاحزاب المسيحية-المارونية تحديداً، في موقع المُتفرج السلبي؟!.

ثالثاً، يعرف باسيل ان هناك مشاريع تسوية ستحلّ في الاقليم ولبنان بعد نهاية حرب غزة، يريد ان يلاقيها لبنانياً، خصوصاً ان الموقف الأميركي عبر مقترح رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، يؤكد على اهمية وقف الحرب والبدء بمحادثات تسووية، ومنع تدحرج المواجهات.

رابعاً، يسلك باسيل طريقاً براغماتياً، عبر الدخول في مسار الحوار الوطني، ويثبت انه يتميّز عن جعجع: يعرف رئيس "الوطني الحر" كيف يحصد نتائج سياسية عندما يحين موعد الحصاد، بينما جعجع الذي يعلم كيفية الزرع شعبياً، يفشل في موسم الحصاد السياسي، ولا يعرف كيف يوظّف طاقات حزبه، بل يضيّعها في الرهانات التي لا تُصيب.

لكن باسيل ثبّت معادلته: رفض القبول برئيس تيار المردة سليمان فرنجية في انتخابات رئاسة الجمهورية، من دون ان يجد بديلاً وازناً او موثوقاً به، عند حلفاء ومؤيدي "المردة". بينما جاء ردّ رئيس "الوطني الحر" على طرح فرنجية سلبياً، بعد توصيف رئيس "المردة" ان منطق باسيل الانتخابي مسيحياً، اي الأكثرية الشعبية العدديّة، يقضي بأن يكون جعجع هو المرشح لرئاسة الجمهورية. بإعتبار ان "القوات" نالت الأغلبية الشعبية المسيحية. استند فرنجية إلى ارقام انتخابات عام ٢٠٢٢. يومها نالت لوائح "القوات" 205,958 صوتاً، مقابل 148,711 صوتاً للوائح التيار "الوطني الحر"، اي ان الفارق يتجاوز ٥٧ الف ناخب، لصالح "القوات".

بجميع الاحوال، فإن كل طروحات فرنجية مستندة إلى حسابات لا تصبّ في صالح خصومه. وهو عندما طرح ترشّح القيادات المارونية الاربع: اضافة اليه، باسيل وجعجع وسامي الجميل، فهو يعلم ان كلاّ من هؤلاء القيادات، سيفضّل نفسه للرئاسة، ويضع الفيتو على الآخر، بينما يتمكن هو-فرنجية من نيل اكثرية الأصوات النيابية.

لذلك، لا حلول مسيحية-مسيحية، بإنتظار ما سيبلغه الفاتيكان للقيادات المارونية ازاء ملف رئاسة الجمهورية، خصوصا بعد طلب فرنسا مؤازرة روما لها في لبنان. ليبقى الحل المُمكن هو الحوار الوطني او التشاور، لا غير، وهو ما ادرك باسيل اهمّيته وفاعلية مساره، فأيد طرح عين التينة في هذا المجال، فهل يعقد رئيس مجلس النواب نبيه بري طاولة تشاور من دون مشاركة "القوات"؟.

الايام القليلة المقبلة، ستشهد التقدم اللبناني خطوة مهمّة إلى الأمام، بعد جمود طويل يدفع ثمنه اللبنانيون كلّهم، من دون ان يعني ذلك حتمية انتخاب رئيس. لكن التواصل وكسر الجمود، أساسيان في المسار اللبناني، وأفضل من القطيعة والتقوقع الذاتي.