ركّز السيّد ​جعفر فضل الله​، على أنّه "عندما يتحرّك الحاج ليقف مع كلّ المسلمين، من كلّ البلاد والجنسيّات والقوميّات واللّغات والمذاهب، فليستشعر معنى الأمّة الّتي تتّحد على اسم الله، وعلى قيم الحقّ والعدل في كلّ المواقف في الحياة؛ فلا يرجع أحدٌ إلى بلاده إلّا وهو يحملُ هذه الرّوحيّة تجاه مسؤوليّاته في بلده".

وشدّد، خلال إلقائه خطبة عيد الأضحى من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بعدما أَمّ حشود المصلّين، على أنّ "الاحتلال ظُلم، ولذلك لا حوار معه، والتّطبيع قبول بالمنكر، والمؤمن ينهى عنه ولا يقبل به، ولا يمكن أن يجتمع مع الحجّ في معناه... هما خطّان لا يلتقيان"، جازمًا أنّ "السّكوت لا يجوز على ما يجري في ​غزة​ وفلسطين، وترك العدوّ يمعن في سفك الدّماء والتّدمير والإبادة. كلُّ هذا هو هتك لحرمات الله".

وأشار فضل الله إلى أنّ "الحجّ إذا كان يجمعُ الحجيج من صنوفٍ شتّى على صعيدٍ واحد، وحول بيت الله الحرام، فلا بدّ أن يُستكمل بأن تعمل الدّول العربيّة والإسلاميّة على تحقيق منافعها والمنافع الاقتصاديّة والسّياسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والأمنيّة، المنافع الّتي ترتكز إلى مصالح شعوبنا وأمّتنا، انطلاقًا من تأكيد عزّتها أمام الاستكبار العالمي، وربيبتِه الصّهيونيّة وكيانها؛ لا الرّضوخ إلى سياساتهم ومؤامراتهم"، مبيّنًا أنّ "هذا لا يكون إلّا بالتّقارُب بين تلك الدول، وتفعيل الأطر المشتركة والسّياسات لأجل مصلحة الأمّة وقضاياها لا العكس".

وأكّد أنّ "من غير الجائز أنّ الأمّة الإسلاميّة يبقى يمدّ بعضها الكيان الصّهيوني بالنفط والغاز والموارد، ويُحرم أهل غزة وفلسطين ذلك، وألّا يكون هناك موقف عمليّ نُصرةص لأهل غزّة من الإبادة الجماعيّة الّتي تجري، وتدمير الحجر والبشر والأطفال والنّساء والشّيوخ".

كما لفت إلى أنّه "ليس المطلوب من المسلمين اليوم موقف إنساني، على طريقة الدّول الكبرى الّتي تدعم الكيان بترسانة عسكريّة متطوّرة وغير منقطعة، وترسل المساعدات للفلسطينيّين، وتمنحهم بعض التّصريحات الدّبلوماسيّة الممجوجة. بل إنّ أضعف الإيمان هو أن تدعم الدّول العربيّة والإسلاميّة مقاومة هذا الشّعب بالمال والسلاح والموقف العملي".

وأضاف فضل الله: "لن نقول إنّ المطلوب قاتلوا عنهم أو معهم، فعلى الرّغم من كلّ الآلام والقتل والدّمار، ها هم بالأمس يسطّرون البطولات، ويكبّدون العدوّ الخسائر، وها أنتم قد رأيتم رأي العين في السّابع من تشرين الأوّل وحتى الآن، أنّ العدوّ لا يملك قوّةً لولا دعم الدّول الكبرى له، ووقوفها إلى جانبه".

واعتبر أنّ "هذا ما يحمّل الأمّة العربيّة والإسلاميّة، ويحمّل الأنظمة بالذّات مسؤوليّة تحريك الأدوات والأوراق الّتي بأيديها، من قطع العلاقات والإمداد ورفض الإملاءات، كلُّ ذلك بات في دائرة الممكن والمقدور عليه، ولم يعد ذلك تكليفًا بما لا يُطاق".

وذكر أنّ "الحجّ موسمٌ عبادي لتأكيد معنى الأمّة الّتي تجتمع على مبادئها وقيمها، في عقيدتها وشريعتها ومفاهيمها وسياستها واقتصادها وأمنها، ولا ينبغي أن يتحوّل إلى موسم سياحة دينيّة، بالمعنى الّذي يعيشُه كثيرون يفصلون بين الإيمان والحياة، وحيث لا تشعر الشعوب والدّول بأنّها معنية بالقضايا الإنسانيّة والإسلاميّة"، متسائلًا: "كيف يمكن تجاهل أن تُسفك دماء المسلمين والمستضعفين، وتُهتك أعراضهم، وتدنّس مقدّساتهم، من أعداء الإسلام والإنسانيّة؟!".

وختم فضل الله: "أمّا في ​لبنان​، فعندما تتحرّك السّياسة والسّياسيّون فيه في هذا الأفق، ويستجيبون للتّحدّيات في عمقها لا في سطحها، فعندئذٍ فقط يستطيعون أنْ يشيّدوا وطنًا، ويقيموا دولةً، تكون في مستوى شعبها والتّاريخ".