أكّد شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز، ​سامي أبي المنى​، خلال إلقائه خطبة عيد الأضحى المبارك، في مجلس مقام المرحوم الشيخ أبي حسين شبلي أبي المنى في شانيه، أن "العيد ليس سوى محطة زمنية عابرة، ولكنها تحمل معنى روحيا وعبرة توحيدية، فليكن تعلقنا بالعبرة والمضمون والمعنى أوثق من تعلقنا باليوم والطقس والمظهر، وليكن حاضر العيد وفرحة إحيائه توقا إلى مستقبل قريب تتجسد فيه حقيقة الذكرى وسعادة النجاة".

وشدّد على أن "السعادة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق بالنوايا الخبيثة والتخاذل المميت والركون إلى العجز والأوهام، بل بصفاء القلوب ونقاء السرائر، وبالسعي الدؤوب في ما يرضي الله ويريح الضمائر، وبمواجهة الواقع برؤية استشرافية وإرادة قوية وتعاون أخوي وإنساني صادق، بعيدا عن التورية في الكلام والغموض في المواقف وخلط المفاهيم وتبديل الجلود وقلب الأدوار،

ووجّه أبي المنى "سلامًا من جبل الأجداد والأمجاد، ومن أرض الخير والجهاد. سلام إلى أهلنا المعروفيين الموحدين من سوريا وفلسطين والأردن، وإلى أهلنا من ​لبنان​، جبلا وساحلا وواديا أزهر، مقيمين ومغتربين... معكم وبكم يتعزز الأمل ويطرد اليأس القاتل والتذمر، معكم وبكم ولكم تبنى المؤسسات وتتكامل أدوارها، فلا تستهينوا بحضوركم ووجودكم، ولا تستخفوا بقدراتكم وطاقاتكم إذا ما اجتمعت"، مبيّنًا "أنّنا هنا لنقويها ولنجمعها على الخير، ولننشر التفاؤل في مجتمعنا، بالرغم من الصعاب والضباب ومحاولات تيأييس الشباب والقول بغياب المؤسسات. فالمجتمع لا يقوم ولا يتحصن إلا بها، وعلى كل الصعد التربوية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما نعمل عليه مخلصين".

وركّز على أنّه "ها هي المؤسسة القضائية الدرزية تحظى في هذه الليالي المباركة بخمسة قضاة جدد من الشباب المثقفين، الذين عليهم نعول ولأجلهم نرفع الدعاء بالتوفيق، وبهم نجدد الأمل بتطوير القضاء المذهبي لدينا، فالطائفة، كما الوطن، لا تزدهر إلا بنهضة المؤسسات وتكاملها"، مؤكّدًا "أنّنا جزء من الوطن، بل نحن الجزء الأساس فيه، وإن قل العدد، لكنه يعوض بالتضامن والتماسك وصدق الانتماء وثبات الهوية والأخوة الوطنية والعمل الدؤوب المنظم".

كما أشار إلى أنّ "للوطن علينا حق صونه ونهضته واحترام دستوره، ولنا على الدولة حق العيش الكريم بالعدل والمساواة. للوطن علينا حق الدعاء والصلاة والعمل لأجله، ولنا على الدولة حق الحماية والرعاية. للوطن علينا حق احترام التنوع فيه، ولنا عليه حق صيانة العيش المشترك والإرث الثقافي والروحي لكل طائفة. للوطن علينا حق رعاية المغتربين من أبنائه كي لا يفقدوا هويتهم الوطنية والروحية، ولنا على لبنان الاغترابي حق الالتفات إلى الأهل ودعم صمودهم في أرضهم".

وأضاف أبي المنى: "ها نحن، ومع كل فجر جديد، نجدد الدعاء والنداء والدعوة إلى العمل، فكيف إذا كان الفجر فجر العيد، والصلاة صلاة الأضحى؟ فدعاؤنا الصاعد ونداؤنا الصارخ للجميع بأن يستلهموا من العيد معنى التضحية، وأن يقدموا القرابين على مذبح الوطن، تقربا وتواضعا وتناغما وعطاء، وأن يعملوا معا لكي يلتئم عقد الدولة وينتظم عقد المؤسسات ويعم الازدهار".

ولفت إلى "أننا نواجه اليوم حالة من القلق على المصير، أفلا يرى أولياء الأمر إزاء ذلك أن الواجب الوطني والأخلاقي يقضي بالترفع عن المناكفات، ترفعا عن مصلحة هنا ومصلحة هناك، وتلاقيا على المصلحة الوطنية العليا؛ رأفة بالشعب المعاني وحماية للدولة والدستور، وقبل أن يحصل الانهيار الكلي؟".

ودعا إلى أن "يتيقن الجميع أن القوة الحقيقية ليست سوى قوة الولاء للوطن والتضامن لنهضة البلاد وحمايتها، وأن الأكثرية ليست سوى أكثرية الموالين للوطن من كل الفئات والجهات، والمتضامنين لإنقاذه وتحقيق ازدهاره، وقد تكون القوة أحيانا تراجعا عن موقف يعقد الحل وتخليا عن ارتباط يعيق التقدم... قد تكون قدرة على الحوار والتكيف مع الواقع، كما قد تكون أحيانا أخرى صلابة في الدفاع عن النفس والصمود بوجه المعتدين، إلا أنها لا تكون في مطلق الأحوال ضربا من ضروب الاستقواء أو التعطيل أو التمترس وراء أحلام طائفية أو فئوية طاغية".

إلى ذلك، ذكر أبي المنى أنّ "الأكثرية الحقيقية لا تتحقق إلا باجتماع التنوع اللبناني على كلمة سواء ومواطنة صادقة وقضية وطنية جامعة. وإذا كنا نرتاح بين الحين والآخر لهذه المبادرة أو لذلك المسعى، ونطمئن بوجود قادة سياسيين وطنيين، ومسؤولين عقلاء ورجال فكر حكماء يسعون إلى رأب الصدع ومعالجة المشاكل العالقة والفراغ الحاصل في رئاسة الجمهورية، على الأخص، تمهيدا لمعالجة الخلل المستفحل في جميع مفاصل الدولة، والدفع معا باتجاه استثمار طاقاتها المهدورة، إلا أننا نستغرب كيف ينتظر اللبنانيون حلولا سحرية من الخارج ولا يصنعون لدولتهم حلولا واقعية في الداخل؛ حلولا تأخذ بالاعتبار هواجس المكونات الأساسية ومطالب الشعب اللبناني على اختلاف توجهاته وموداته الداخلية والخارجية".

وتساءل: "هل أصبحنا عاجزين إلى هذا الحد من الضياع والتواني؟ ومكبلين بأصفاد المواقف التقسيمية والولاءات الخارجية إلى هذا المستوى من احتقار الوطن ووحدته؟ أم هل تعطلت لغة الكلام والحوار وغابت الواقعية من حياتنا الوطنية؟ وكأننا قد بتنا مختصين بفن الانتظار والترقب والاتكال على الغير، ننتظر لجنة خماسية مقدرة ومشكورة، أو قرارات دولية ممهورة لإنهاء حرب مدمرة ومسعورة، أو نترقب اللحظة الدولية المؤاتية لولادة التفاهم الوطني".

وشدّد على أنّه "وإن كنا نعذر أنفسنا قليلا نظرا لارتباطنا بقضايا المنطقة، وعلى الأخص القضية الفلسطينية، ونظرا لواقع لبنان وموقعه المتأثرين بما حوله، وعلى الأخص بوجود كيان صهيوني غاصب ومعتد يستدعي الحذر والصمود والتصدي، إلا أنه لا عذر لنا بما نحن عليه قادرون في ما لو اجتمعنا على كلمة سواء وترفعنا عن المقاصد الطائفية وازدواجية الولاء، وهذا ما نرجوه مخلصين مع كل عيد ومناسبة، للخروج من نفق التجاذب الداخلي المظلم إلى رحاب التقارب الوطني المطلوب، ومن أتون الحرب المدمرة في فلسطين وجنوب لبنان إلى واحة الانتصار والأمن والسلام".

وختم شيخ العقل: "نصلي من أجل إنقاذ الدولة عندنا، صلاة تواكب الحوار المنشود والتشاور المطلوب والتضامن الداخلي، والعمل على تمتين العلاقة مع الأشقاء العرب الذين يشكلون عمقنا الحضاري، ودعاء صاعدا من الأعماق لنصرة أهلنا في فلسطين الذين يتعرضون في ​غزة​ لأبشع أنواع المجازر، على مرأى ومسمع العالم المتحضر الذي لا يجدون فيه ما يزيل الظلم وما يبعث على الأمل".