لفت المفتي الجعفري الممتاز الشّيخ أحمد قبلان، إلى أنّ "الله قرنَ بين الصّلاة والحقّ والنّظافة السّياسيّة والأمانة الاجتماعيّة والفكريّة، وبين الصّوم وترك المحرّمات والآثام، وبين الحجّ وهدم أوثان الظّلم والفساد والطّغيان، سواءً كان ذلك متمثّلًا ببلد أو جبهة أو كيان أو معارك إقليميّة أو دوليّة أو مرافق عامّة تمّ تأسيسها وتنظيمها لخدمة الإنسان".
وأوضح، خلال إلقائه خطبة عيد الأضحى من على منبر مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، أنّ "وفقًا لذلك، قلنا إنّ الحقّ والإنسان يسيران معًا، والسّلطة والعدالة لا يفترقان، والظّلم ظلمٌ أينما كان وكيف ما كان شكلُه وميدانه (سواءً كان بفسادٍ سياسي أو حربي أو مالي أو إداري او انتخابي أو اجتماعي)، وكذا الطغيان والباطل. والباطل باطلٌ أينما كان وكيف ما كان (سواءً كان على شكل حرب أو إبادة أو سرقة أو استبداد سياسي أو قرصنة إعلاميّة أو ارتكابات توظيفيّة أو سواتر ناعمة تعمل لخدمة الطّغاة الكبار)".
وركّز المفتي قبلان على أنّ "اليوم العالم كلّه قرية كونيّة، ولا يمكن فصل الآثار الدّوليّة عن الواقع الإقليمي والمحلّي، وما يجري في غزة خيرُ دليل على الارتباط التّام بين جميع أوصال العالم، ولا حجّ بلا براءة، ولا براءة بلا براءة من أميركا وإسرائيل وداعميهم"، ورأى أنّه "لا يمكن الانتماء لله والسّكوت عمّا يجري في غزة وفلسطين، وإذا كان لله عدلٌ وفخرٌ ومواثيق في هذه الأرض الّتي تعيش رعبَ أباطرة العالم، فهو يمرّ حتمًا بجبهة لبنان الّتي لا تأخذها بالله لومةُ لائم".
واعتبر أنّ "المحاور اليوم تختصر العالم والأقاليم، والصّمود المحلّي بلا محور غير ممكن، والقيمة للأوزان الإقليميّة والدّوليّة. ولبنان خير مثال، بحيث أنّنا لا نستطيع أن ننتخبَ رئيسًا للجمهوريّة بسبب الضّغط الأميركي الغربي الّذي يعمل على تمرير شخصيّة رئاسيّة تعمل ناطورًا للمصالح الأميركيّة الصّهيونيّة؛ وكذا شؤون المنطقة والعالم".
كما أشار إلى أنّه "رغم أنّ الضّرورة تفترض تلاقي القوى السّياسيّة اللّبنانيّة فيما بينها، لتأمين المصالح الوطنيّة من خلال تسوية رئاسيّة، إلّا أنّ هناك من لا يعرف إلّا المصطلحات العبريّة، وهناك من يستعير مواقَفه من البريد الصّهيوني، وثالث ما زال غارقًا بأحلام الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982؛ وآخر ما زال يعدّ الأيّام للخلاص من حماة المصالح السّياديّة في هذا البلد".
وشدّد قبلان على أنّ "زمن السّطوة الصّهيونيّة انتهى، والمعركة اليوم معركة قرار وطني ومصالح لبنانيّة، ولا تراجعَ أو تملّق بالمصالح الوطنيّة. والحليف حليفٌ بالمصالح الوطنيّة، ولا رمادية فيها، ولا صفقات"، لافتًا إلى أنّ "رغم تفهّمنا للعواطف الورديّة والخلفيّات الوطنيّة، إلّا أنّ العالم غابةُ مشاريع انتقاميّة ومصائد فتّاكة، فلا تطمروا رؤوسكم بالرّمال وإلّا أكلتكم ضباع العالم".
وذكر أنّ "المحسوم المعلوم أنّ هذا البلد غارقٌ بأزمات المنطقة والعالم، ولا يمكن عزله عن سواتر الأميركي المختلفة، بما فيها السّواتر النّاعمة المطبوخة بالعسل المسموم، والحل فقط بتسوية وطنيّة"، جازمًا أنّ "مصالح لبنان الوطنيّة خطّ أحمر، والدّيمقراطيّة أمرٌ مقدّس إلّا اذا أصبحت عدوًّا لمصالح لبنان الوطنيّة".
وبيّن "أنّنا لسنا ممّن يغفل عن لعبة واشنطن الّتي تتراقص فوق جثّة الدّيمقراطيّة للإطاحة بالقرار الوطني، على أنّ ديمقراطيّة لبنان توافقيّة لا عدديّة، وقد التزمناها إصرارًا منّا على حماية العائلة اللّبنانيّة، وإلّا كانت صورة البلد مغايرة بشدّة".
وأضاف قبلان: "لذلك، إنّ المواقف الاعمائيّة والانتقاميّة لا تفيد، ولبنان أكبر من أن يعود للتّقسيم، والحرب الأهليّة انتهت إلى لا رجعة، ولبنان المركزي الواحد أبدي، وبعض الإعلام الصّهيوني مموّل بالسمّ، وتهديد البعض نعتبره حبرً على ورق؛ وبيع المواقف رخيص هو وأصحابه".
وأكّد أنّ "المصلحة الوطنيّة تفترض حماية المصالح السّياديّة لا المصالح الصّهيونيّة، والقتال الّذي تخوضه المقاومة على الجبهة الجنوبيّة مكرّسٌ فقط لحماية لبنان الواحد، بعيدًا عن الزّواريب الطّائفيّة وأحلام الفدراليّة المقيتة. والخطأ بالخيارات الاستراتيجيّة كارثة مدويّة، ولا عذر أبدًا لمن يخطئ بخيارات لبنان الاستراتيجيّة".
إلى ذلك، توجّه للبعض قائلًا: "سيادة لبنان هي الأهمّ على الإطلاق، وقرابين المقاومة مفخرةُ هذه السّيادة، ومعركتنا معركة استقلال استراتيجي وسيادي لا سابق له. وللأسف عويل البعض عويلٌ على إسرائيل الّتي تحترق، ومن لحق بالمقاومة انتصر، ومن تخلّف إنّما خذل صميم مصلحة لبنان"، مركّزًا على أنّ "التّهويل لا يفيد أحدًا، والمشكلة أنّ حجم المأزِق الّذي يصيب الإسرائيلي دفعه كي يضغط على بعض أبواقه التّافهة في لبنان، للصّريخ ظاهرًا من أجل لبنان وباطنًا من أجل إسرائيل".
ووجّه "كلّ التّحية لغزة ورمالها الّتي تبتلع الجيش الصّهيوني، وكلّ الفخر لصواريخ يمن الكرامة وترسانتها، وكلّ الشّرف للفصائل العراقيّة الأبيّة الّتي إذا رمت دمّرت، وكلّ العظمة لطهران الّتي بَنت قوّةً محوريّةً لجلد الشّياطين، والموقف اليوم للجبهات، ولبنان بكلّ طوائفه رأس مصالح المقاومة السّياديّة".
وأعلن قبلان "أنّنا لن نسمح لإسرائيل أن تخرج من هذه الحرب بوضعيّة المنتصر أو وضعيّة الأقوى، والحذر الحذر من حربٍ بلا حدود، وسلاح وذخيرة الجيش الإسرائيلي من أميركا، ما يعني أنّ قرار الحرب أميركي، ولحظة التّاريخ ليست بعيدة، ونحن على خطوة من الانتصار إن شاء الله".