أشار نائب رئيس "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" العلّامة الشيخ ​علي الخطيب​، خلال تأديته صلاة عيد الأضحى المبارك في مسجد الإمام الصادق عند مستديرة شاتيلا، إلى أنّ "الغاية التي يريدها الله من تشريع الحج كعبادة سنوية يتوالون على ممارستها، هي ترسيخ وحدة الامة في اذهانهم، وتوثيق الصلة فيما بينهم على تعدد انتماءاتهم وتباعد بلدانهم واجناسهم وألوانهم ولغاتهم وعاداتهم".

وأوضح أنّ "هذه العبادة ما زالت تؤدي هذا الدور، على الرغم من المحاولات الحثيثة التي تبذل من أجل تشويهها واعطائها البعد الطقوسي، وتفريغها من هذا المحتوى العميق، كما هو الحال في الجهد الثقافي التجهيلي لتشويه البعد المعنوي لسائر العبادات، وأن تتحوّل إلى طقوس وعادات ومظاهر فارغة من أبعادها التربوية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي لم تنشأ عبثاً، وإنما لما تمثله من أسسٍ متينةٍ للبناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والتربوي والثقافي؛ بهدف تفكيك عوامل وحدة الامة الحضارية والرسالية وقوتها في مواجهة قوى الضلال والفساد والانحراف".

ولفت الخطيب إلى أنّ "لذلك كان التركيز من أعدائها على تشويه الرسالة التي تشكل مضمونها وتُبرّر وجودها، والعمل على اللعب بالمفاهيم والتشويه الثقافي، فشوَّه مفهوم الجهاد واعطي معنى ارهابياً، فوُصِمَت الحركات المقاومة بالارهاب، والحركات الارهابية بالجهادية، ونشر الفساد وأُعطيّ صفة الحرية، بينما أُعطيَ الالتزام بالقيم الاخلاقية والمعنوية صفة التخلّف، واثارة عوامل الفرقة باثارة العصبيات القومية والمذهبية والطائفية، والتركيز على عوامل التفرقة ودعم حركات التطرف والتكفير لتمزيق كيان الامة لتكون الأمة الفاشلة التي لا تستطيع أن تقف أمام اعدائها والطامعين بها".

وذكر أنّ "بعض الانظمة الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي قد أدت دوراً قذراً في هذا المجال، وسَهَّلت للغرب القيام بهذه المهمة، عبر الخضوع للبرامج التربوية والاعلامية التي فرضتها الدوائر الغربية التي عملت بخبث عبر مراكز البحث والدراسات المتخصصة والمختلفة للتفتيش عن مواطن القوة لدى المسلمين، وعن الطرق التي يمكن عبرها ضرب هذه النقاط وتحويلها إلى نقاط ضعف تُسهّل لها المهمة بأقل الاكلاف"، مركّزًا على أنّه "على الرغم من السعي الدؤوب والتقدم خطوات كبيرة نحو تحقيق هذا الهدف، إلّا أنّها لم تستطع بلوغه لسببين: الأول إلهي، والثّاني قوة وهيمنة هذه القيم".

كما فسّر أنّ "الأمر الالهي الحتمي حماية القيم المعنوية، وهي مضمون رسالات الانبياء التي تُمثّلها رسالة الاسلام بأعلى مراتبها وبأفضل الوسائل والطرق، وهي وإن بانَ لبعض الوقت انها تراجعت لمصلحة الانحراف والفساد، ولكن هذا لغاية الامتحان والاختبار للأشخاص وللأمة التي قد تتراجع في مرحلة من المراحل، ولكن النتيجة انه انتصار موقّت سرعان ما يتبدد ويزول".

وأفاد الخطيب بأنّ "المثل العملي لها متكرر دائما في الحياة، وخصوصاً في حياة أمتنا ولا يمكن تعدادها، ولكن سأتحدث عن المرحلة التي نعيشها اليوم في مواجهة الطغيان الغربي، وخصوصاً مرحلة الاستسلام العربي التي تمظهرت بما سُمِيَ باتفاقيات السلام العربي الاسرائيلي، التي تَوَجَت مرحلةً من الصراع الثقافي والفكري والعسكري".

وأضاف: "بدا للكثيرين أن الامر انتهى، وأن الغرب سَجَّل انتصاره العسكري والحضاري الأخير على العرب والمسلمين، وبالتالي على العرب والمسلمين ان يتعاطوا مع هذا الهزيمة كأمر واقع. لكن ما الذي حصل؟ إنّ الامةَ لم تستسلم ولم تتعامل معه كأمر واقع ولم تُقرّ بالهزيمة، الامر الذي وَلَّد مقاومة لما حصل أساسها فكري ثقافي إيماني، استطاعت خلال فترة قصيرة نسبياً أن تصارع وتقاوم حالة اليأس التي نشأت بفعل التراجع العربي الإسلامي المتأثر بما حاول الغرب تثبيته في اذهان أبناء الأمة".

وبيّن أنّ "المقاومة كانت أساساً فكرية تتبنى المفاهيم الايمانية، ثم انعكست واقعاً وسلوكاً بالمقاومة الفعلية والعسكرية، ونجحت في كسر "التابو" الذي حاول الغرب وأتباعه من المتغربين أن يجروا الامة الى التعاطي معه. كذلك وفي مرحلة اخرى من مراحل الصراع، تطورت هذه المقاومة، واستطاعت ان تعيد للامة الثقة بنفسها". وأشار إلى أنّ "في المرحلة الثالثة وهي التي نعيشها اليوم، أن تستطيع مهاجمة العدو وتَشُنّ عليه حرباً في داخل الكيان، فتحوّلت من مقاومة تواجه العدو على أرضها وتدافع عن نفسها، إلى حالة الهجوم وتضع العدو في حالة صراع على الوجود".

وأكّد الخطيب أنّ "طوفان الأقصى بمساندة قوى المقاومة، وضع العدو في هذه المرحلة من الصراع، الذي يراه بحق انه صراع على وجوده"، متسائلًا: "أليس هذا الواقع انتصاراً للقيم، وان كان الثمن غاليا؟ لكن تصوروا العكس وأن المقاومة لم تقم، فما هي الصورة التي سنكون عليها؟".

ولفت إلى أنّ "الحرب التي خيضت على أمتنا وانتصر العدو بها، كانت بالأسسا حرب نفسية وثقافية، حرب كسر الإرادة، حرب ضرب المعنويات، ولم تكن على الإطلاق حرباً حقيقية، والا فلم يكن للعدو بكل ما يمتلك ومع كل من يقف وراءه، أن يُسجّل انتصاراً واحداً في هذه المعركة. وهو الآن ما زال يعتمد هذه الوسيلة، ويساعده فيها ويُروّجُ له البعض ممن فقدوا الرؤية وافتقدوا البصيرة، ويحسبون انهم على شيء وهم ليسوا على شيء".

إلى ذلك، شدّد على أنّ "اليوم يتهدّدنا العدو انه سينهي حربه على رفح ليشنّ حرباً على ​لبنان​، لكن أولاً ليخرج سالماً من رفح، فقد أثخنته المقاومة في قطاع غزة بالجراح. وثانيًا: ماذا كان يفعل على الجبهة اللبنانية حتى الآن؟! وثالثاً: أنت من تهدد؟ تهدد فرسان المصر ورجالاً أعاروا جماجمهم لله، الذين لا يخافون الموت ويطلبون من الله الشهادة؟

وأعرب الخطيب عن أسفه أن "تتطابق بعض المواقف الداخلية مع الموقف الاسرائيلي في مواجهة المقاومة، التي لولاها لما بقي للبنان من وجود"، مؤكّدًا أنّ "لبنان لن يكون الا بلد التعايش والاخوة، ولن نترك ل​إسرائيل​ فرصة لتقسيمه أو تقزيمه، فنحن لم نُقدّم دماء شهدائنا على مذبح أصحاب الاهواء والغرائز".

وتابع: "أما كيف يكون عيد مع ما يعيشه أهلنا في غزة وجنوب لبنان؟ فإننا نكبر بهم وبشهدائهم وبتضحياتهم، فهم لم يقدموا ذلك عبثاً ولم تذهب تضحياتهم هباءً، وإنما أنتج عزاً وفخراً، فمن لديه أمثالكم نال عزاً وفخراً، إنّ عيد أمتنا أن يكون لنا مثل هؤلاء العظماء".

وركّز على "أنّنا اليوم في عيد الأضحى، نتقدّم من أهلنا اهل الشهداء في فلسطين ولبنان والعراق واليمن على طريق القدس، بالافتخار وبالاعتزاز بمواقفهم وبتضحياتهم وبتضحيات أبنائهم الغالية، نفتخر بكرمكم فأنتم أجود من أعطى، أنتم من قدّمتم أغلى الأضاحي، أنتم من أحرمتم وسعيتم وطفتم ورجمتم الشياطين حقاً، أنتم من حججتم إلى الله، فنعم الإحرام إحرامكم والطواف طوافكم والسعي سعيكم والرمي رميكم؛ ونعم الاضحية أضحيتكم".