يَتيمٌ لبنانُ!

وَيُتمُهُ مِمَّن يَدَّعونَ أنَّهُم أبناؤهُ.

هُمُ جَحَدوهُ غلواءً، وَصَوَّروهُ إنسِلاخاً فَوقَ الهَلوَسَةِ، وأدنى مِنَ الإنِعِدامِ. حيناً هو غَوصُ فَراغٍ، وأحايِّينَ فَراغاتُ بُهتانٍ. ثَباتاً في اللاشَخصِيَّةِ، حَيثُ السَطحِيَّاتُ تَقهَرُ الباطِنِياَّتَ بِأطوارِ لالُزومِيَّتِهِ.

هُمُ مُغدِقونَ في تأليهِ أيِّ نَكِرَةٍ، والإئتِمارِ بِأيِّ إغرابِيٍّ، وإطاعَةِ أيِّ إعرابِيٍّ. بالدُمى يُنيطونَ أيَّ مَوقِعٍ... واليومَ يَستَبسِلونَ لِإعلانِ قَداسَةِ مَن بادَرَ الى إبتِداعِ التَقاتُلِ بَينَ إخوَةٍ داخِلَ البَيتِ الواحِدِ، إلتِماسَ شَفاعَةٍ لِما تَقتَرِفُهُ أياديهِمِ مِن جَذرِيَّةِ تَدميرٍ، وَإغراقٍ بِأحقادٍ، وإستِحثاثٍ بِإهراقاتِ الدِماءِ، رافِعينَ كُؤوسَهُم المِليانَةِ... على إسمِهِ.

كانَ زَمَنٌ، تَباهَت فيه أثينا أنَّ 5 من مُؤَسِّسيها الحُكَماءِ الـ7... مِن لبنانَ. وَعَلَّمَت أكاديمِيَّاتُ الغَربِ أنَّ مُطلِقَ الفَلسَفَةِ وَرَبيبَها، مَن بِهِ تَكَوَّنَ العَقلُ وإنطَلَقَ، لا هو سُقراطُ ولَا افلاطونُ ولا أرِسطو... بَل تاليسُ الُلبنانِيُّ-الفينيقِيُّ.

وَكانَ زَمَنٌ، فاخَرَت فيهِ -Κύπριοςقُبرُصُ أنَّها مِن لبنانَ وإلَيهِ، وَعظَيمَةَ آلهِتِها، رَبَّةُ الجَمالِ، افروديتُ، حَمَلَتها الى شَواطِئِها أمواجُ صورَ الهادِرَةِ مِن لبنانَ.

وَكانَ زَمَنٌ، روما المُساكِنَةُ العُنفَ بارَكَت أيَّ كَبيرٍ أتاها مُتَوَّجا بالعِلمِ-السَلامِ: "ها هوَذا مِن لبنانَ"!

حتَّى بالمَوتِ، كانَ لِلُبنانَ رِفعَةُ أنَّهُ أوَّلُ مَن آمَنَ بِخُلودٍ الروحِ وإرتِقائِها الى ذُرى البَقاءِ، مُذ كانَ مَن يُجاوِرُهُ يَختَلِقُ كائِناتٍ حَيوَانِيَّةَ الرأسِ بَجَسَدانِيَّاتٍ إنسانَوِيَّةٍ، تَلتَهِمُ قُلوبَ الآتينَ إلَيها مِن عَوالِمَ الأحياءِ وَتَرمي فَضَلاتِهِمِ في أتونِ الفَناءِ. وَكانَت صَيدا رائِدَةَ نَحتِ نَواويسَ أنثروبويدات anthropoidesلِحِفظِ أجسادِ المَوتى، إعلاءً لِكَرامَةِ الكائِنِ البَشَرِيَّ السَرمَدِيَّةِ.

"أَأَتَيتَ حاجَّاً الى بيبلوسَ، لِمَرَّةٍ؟" بِذَلِكَ السُؤالِ-الإستِجوابِ لِلضَميرِ، كانَ مَن إبتَغى حُظوَةَ الإنسانِ بإرتِقائِهِ الى مُحَصِّلَةِ الأُلوهَةِ، يُبادِر الأتينَ إلَيهِ بَحثاً عَن مِعنى الوجودِ.

وَروما روما، عَينُها، إذ شاءَت قَونَنَةَ الحَقِّ فَلا يُعلى عَلَيهِ، أعلَت بَيروتَ "الأُمَّ المُرضِعَةَ لِلقوانينَ Berytus nutrix legum"، وَرَقَّت تَعاليمَ أساتِذَةِ مَدرَسَتِها لِلحُقوقِ الى مَرتَبَةِ الدُستورِ، قانونِ القَوانينَ. وَتَوَّجَتهُ بإسمِ واضِعِهِ Domitius Ulpianus إبنِ صورَ: Liber primus-Ulpianus libro primo institutionum.

وأكتَفي.

عُبورُ السُكونِيِّ الى الديناميكِيِّ

أجَل! جُموحُ لبنانَ الذي يَعقِلُ حالاتِ الإكتِمالِ، الأخَّاذَةِ بالإنسانِيَّةِ الى الحَياةِ، عُبورٌ في إرتِصافِ عُقولٍ وَقُلوبٍ لَيسَت مِن أبنائِهِ. هي الشاهِدَةُ أن في تَعاقُبِ التآونِ، لبنانُ تأصَّل في مَسألَتي السَبَبِيَّةِ والحُرِّيَةِ.

أجَل! لبنانُ السُكونِيُّ عُبورُ الخَلقِ الى ديناميكِيَّةِ الرَمزِ-المُحَقِّقِ: الرَمزِ-المُخَلِّصِ.

ألا يَكفي أنَّ الإلَهَ إبنَ الإلَهِ، الحامِيَ الأرضَ مِن زَمجَرَةِ سُحُبِ السَماءِ، في الميتولوجيا الأوروبِيَّةِ الشِمالِيَّةِ، مِن جرمانيا لِلدُوَلِ الإسكَندينافِيَّةِ، كانَ يَحمِلُ إسمَÞórr أيّThor ، وبالفينيقِيَّةِ ᚦᚢᚱ (þur)تَيَمُّناً بِـ"تورَ البيبلوسِيِّ" كاهِنِ العِبادَةِ الأوَّلِ (والذي مِن إسمِهِ إتَخَذَ العِبرانِيُّونَ تَسمِيَةَ كِتابِهِمِ الدينِيِّ: التَوراةَ)، على ما يُؤَكِّدُهُ Publius Cornelius Tacitus، المُؤَرِّخُ والفَيلَسوفُ وَعُضو مَجلِسِ الشُيوخِ الرومانِيِّ؟

ألَيسَ Joseph Eger (1920-2013)، مُؤَسِّسُ الأوركِسترا السِمفونِيَّةِ لِلأُمَمِ المُتَّحِدَةِ مَن شَهِدَ خَريفَ العامِ 1981: "أساطيرُ كَثيرَةٌ ذَكَرَت أن قُرابَةَ كُلِّ ألفِ عامٍ، تُرسِلُ السَماءُ صَوتاً الى الأرضِ لِيَلفَحَها بِعَظَمَةِ الخَلقِ. وأنا إعتَقَدتُ صوتَها، فيروزَ، أُسطورِيٌّ... الى أن بِها إلَتَقَيتُ. وإلَيها أصغَيتُ. صَوتُها السَماءُ. صوتُها لبنانُ. وَهو حَقيقَةٌ"!.

أجَل! لبنانُ عَطِيَّةُ مَطالِعَ المَلَكوتِ وَجوهَرِها لِثَنايا أهلِ الأرضِ وإستِحقاقاتِهِمِ، لَكِن... لا لِجُحودِ إستِحقاقٍ. فَهَل لِأبنائِهِ أن يَعقِلوها تِلكَ العَطِيَّةُ، فَيَستَحِقُّوهُ؟.

لبنانُ يَتيمٌ؟ يا لِوِحشَةِ هَذِهِ الحَقيقَةِ! يا لِظَلامَةِ تَصديقِها!.