صدر كتاب جديد للأب الدكتور بشارة إيليّا عنوانه: "وثيقة الأخوة الإنسانيّة، قراءة تأويليّة، ٢٠٢٤".

جاء الكتاب دراسة تأويليّة لأنموذج "لا خلاص خارج الكنيسة" ومفهوم المغضوب عليهم والضّاليّن".

بدأ الكتاب بتقديم للمطران شارل مراد النائب البطريركيّ لأبرشية بيروت للسريان الكاثوليك، ورئيس اللجنة الأسقفيّة للحوار المسيحيّ الإسلاميّ في لبنان، ومّما قال: " نجد كتاب الأب بشارة إيليّا الأنطونيّ، بشرى تدعونا لنتأمل ونفهم لغة الأخوّة التي نادى بها قداسة البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيّب، فجعلها الأب بشارة لغة بمتداول الجميع، داعيًا إلى استكشاف عمق قيمة الأخوّة الإنسانيّة وكيف يمكن لها أن تلعب دورًا حيويًا في بناء مجتمع يتّسم بالسلام والتعايش السلميّ، شارحًا مختلف جوانب هذا المفهوم، بدءًا من التحدّيات العالميّة التي تجمعنا كبشر، وصولاً إلى الأدوار الفردّية التي يمكن أن نلعبها لتعزيز روح الاخوّة والتفاهم.. نأمل أن يكون هذا الكتاب إضاءة تشعّ في عقول قرّائه، تلهمهم للمساهمة في بناء جسور من التفاهم والمحبّة.."

‏ثمّ وضع الوزير السابق رشيد درباس مقدّمة للكتاب ومّما جاء فيها:

الراهب الأنطونيّ، بشارة إيليّا، مؤلّف شديد الحساسيّة، بالغ التواضع، واثق القلم الّذي راح ينزّ حبره في مجالات متعدّدة، بجدارة ولطف.. لقد ندب نفسه لشرح تلك الوثيقة بما يتعدّى نصّها إلى أعمق أعماقها والأسباب الموجبة لها، وأشير إلى دقّة عنايته بالشكل والبنية والألفاظ الّتي أفضت بعد ذلك بيسر وسهولة إلى صميم المعنى القائم على أنّ رسائل الأديان بقدر ما هي نعمة سماويّة على العباد، هي في الوقت عينه حاجة اجتماعيّة سارت البشريّة على هديها وضوابطها لتنظّم العلاقات بين الناس بحسب المصالح المرسلة وتحت سقف قيم تترسّخ في الوجدان والسلوك".

‏ثمّ جاء تمهيد المؤلّف، فشرح مصطلح الحوار، على الصعيد اللغويّ وعلى صعيد العقيدة المسيحيّة وعلى صعيد العقيدة الإسلامية وقال: "الغاية من الحوار بين الأديان، ليست دعوةً إلى إنتاج دين جديد لا سيّما في فضاء الدّيانات التّوحيديّة، ولو كانت القواسم المشتركة، الّتي شكّلت الخلفيّة الأساس في توقيع الوثيقة الإنسانيّة بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيّب، فكرة هذا الكتاب وضع الوثيقة ودراستها وتحليل مضامينها والإضاءة عليها في مجتمعنا وفي فكرنا وممارستنا، إذ لا حديث جديد في الحوار والعيش المشترك من دون الأخذ بالاعتبار وثيقة الأخوّة الإنسانيّة من أجل السلام العالميّ والعيش المشترك"، ليس لأنّها وقّعت من أعلى مرجعيّتين دينيّتين، عن المسيحيّة رئيس الكنيسة الكاثوليكيّة البابا فرنسيس، وعن الإسلام شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيّب، بل لأنّها شكّلت خارطة طريق للحوار والنّظر إلى الحاضر والمستقبل.. وأتت الوثيقة ردًّا غير مباشر على ما يعرف بصراع الحضارات وتقاتل باسم الله".

‏وختم الأب إيليّا تمهيده بالقول: " تكمن عظمة الإنسان في تفاعله مع الآخرين، وما من تفاعل من دون لقاء، وما من لقاء من دون حوار، ولا حوار من دون معرفة، وما من معرفة من دون تعلم، وما من تعلم من دون تاريخ، وما من تاريخ من دون أخطاء، وما من أخطاء من دون مسامحة وما من مسامحة من دون محبّة، ليبقى الله وحده الرّحمن الرّحيم والمحبّة المطلقة الّتي يتوق الإنسان إلى معرفته.

ويقول الأب إيليّا في تأويله: "هذه الوثيقة تطرح علينا كمًّا من التّساؤلات عن دلالالتها ومفاعيلها في سياقات عالم اليوم، أبرز التّساؤلات:

- ما التحديّات الكبرى للدّيانات في زمننا الراهن وما هو دورها؟

- هل للوثيقة من صدى في الإطار السياسيّ العالميّ؟

- ما منفعتها في إبراز تقارب الحضارتين الأكثر انتشارًا في العالم المسيحيّ والإسلاميّ؟

- هل هي بداية نهاية التصارع على التبشير وجذب الإنسان للعقائد المتيافيزيقيّة؟

- هل يوجد إعلان صريح لبداية حقبة تصالح الحضارات، أو بدء لقبول الحوار على المستوى الاجتماعيّ والسياسيّ لما يعود لخير الإنسانيّة وبعيد عن الحوار العقائدي الّذي لم ولن يتوصّل إلى أي تلاقٍ؟

وقد جاءت هذه الوثيقة ردًّا مباشرًا وغير مباشر على ما يعرف بـ "صراع الحضارات" الّذي طرحه صموئيل هنتغتون، أو إعادة اعتبار لشرعة حقوق الإنسان 1948، ليبقى السؤال المطروح، هل يتبنّى العالم بحضارتيه المسيحيّة والإسلاميّة هذه الوثيقة لتصبح مشروعًا عالميًّا شاملًا لما فيها خير الإنسان سواء أكان مؤمنًا أم لم يكن؟

وأضاف الأب إيليّا في تأويله: " في هذا الأفق بين من يدعو إلى حوار الحضارات ومن يرفضه في المطلق، ظهرت صورة معبّرة لقداسة البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الشريف أحمد الطيّب، يدًا بيد تمثل لقاء هاتين الحضارتين، الإسلاميّة والمسيحيّة. لربما كان العالم ينتظر من القطبين الإسلاميّ السّنّي، والمسيحيّ الكاثوليكيّ، وثيقة هدفها الحوار ما بين الأديان، فيما يخصّ الهدف الأعلى من الإيمان بالله وبالعقائد الإيمانيّة من قبل الطرفين. أو بمعنى آخر تحديد بوصلة نحو الدّين في عالمنا الراهن، والتحدّيات الّتي تضرب العقائد المنزلة على الإنسان والإنسانيّة، فإنّ عالمنا في مواجهة شرسة ما بين حريّة المعتقد والمعتقد الحرّ، إلّا أنّها كانت لتجيب عن رفض مبدأ طرحه هنتغتون وتبنّاه العالم وواجهه بوثيقة الأخوّة الإنسانيّة وإعادة الدّفة إلى شرعة حقوق الإنسان...".

وذكر الأب إيليّا تاريخ توقيع الوثيقة بقوله: " في الرّابع من شباط سنة 2019، تمّ التوقيع في أبو ظبي عاصمة دولة الامارات العربيّة المتّحدة على "وثيقة الأخوّة الإنسانيّة والعيش المشترك"، بين قداسة البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الشريف أحمد الطيّب. وهي أوّل وثيقة مشتركة تصدر عن أكبر مرجعين مسيحيّ ومسلم".

وطرح الأب إيليّا سؤالًا لبداية إشكالية هو: "هل يوقّع الإسلام عمومًا والإسلاميّون خصوصًا، على ما جاء في وثيقة "الأخوّة الإنسانيّة" بما تحمل من قيم السلام فتخدم فكرة العيش المشترك والإنسان؟ وما هي الطروحات الجديدة الّتي تحملها وهي الأولى من نوعها في التاريخ؟ وهل هذه الوثيقة هي أساس متين يبنى عليها قاعدة حوار الحضارات في عالمنا المتخبّط بالمصالح الاقتصاديّة السياسيّة الّتي تبني ثروتها على الصراعات القائمة والمفتعلة في العالم؟".

وأضاف الأب إيليّا بقوله: " بنيت هذه الوثيقة في مقدّمتها على ما تختزن الديانتان المسيحيّة والإسلاميّة، من إيمان وإجلال ومحبّة وعبادة لله، وتفعيلها ومشاركتها مع الآخر، من مبدأ أنّ الله قد خلق الناس أجمعين، مع احترام وتقدير الحريّة الدّينيّة بمعنى شركة في المحبة ووحدة في التنوّع الإنسانيّ.

انطلاقًا من ذلك، اتّفقا على تحديد الوجع الإنسانيّ في عالم اليوم، وهو "سواء على مستوى التقدّم العلميّ والتقنيّ، والإنجازات العلاجيّة، والعصر الرّقميّ، ووسائل الإعلام الحديثة، أو على مستوى الفقر والحروب، والآلام الّتي يعاني منها العديد من إخوتنا وأخواتنا في مناطق مختلفة من العالم، نتيجة سباق التّسلّح، والظُّلم الاجتماعيّ، والفساد، وعدم المُساواة، والتدهور الأخلاقيّ، والإرهاب، والعنصريّة والتّطرّف، وغيرها من الأسباب الأُخرى".

ووضع الأب إيليّا الخاتمة لدراسته بمنزلة المقدّمة، فقال: " تعدّ وثيقة الأخوّة الإنسانيّة، حدثًا تاريخيًّا يسجّل للبابا فرنسيس وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيّب، إضاف إلى ذلك، زيارة البابا إلى العراق ولقائه آية الله علي السيستاني.. بدأت نتائج وثيقة الأخوّة الإنسانيّة تتفاعل في الشّرق وفي الغرب كذلك. فهي في الأساس دعوة إلى التمتّع بالقيم الإنسانيّة المشتركة، وعودة من الاغتراب عن الذات للقاء الإنسان بأخيه الإنسان. فهي مهّدت لقيام توازن جديد للألفيّة الجديدة، وذلك من دون تجاهل النّزاعات والصّراعات والأيديولوجيّات القاتلة عبر التاريخ من كلا الطرفين، إنّما من خلال الدّعوة لإعادة قراءة الذات والجماعة الدينيّة وفهمها في دينامّيتها وفي مسيرتها السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والعلميّة.

وأضاف الأب إيليّا : في القسم الأول من هذا الكتاب تمّ قراءة الوثيقة الإنسانيّة لكونها خارطة طريق ترشد إلى التصالح والعيش معًا باختلاف وليس بخلاف مع الإقرار بفرادة الآخر ووجوده، وإعلان أفق جديد أمام صراعات الحضارات والمشاريع السياسيّة القاتلة للإنسان.

أما في القسم الثاني، فاقتراح أنموذج للتّلقي والتلاقي من خلال مفهومي "لا خلاص خارج الكنيسة" و"المغضوب عليهم والضّالين". وهنا نترك للقارئ مطالعة شرح الأب بشارة إيليّا التأويليّة.

وختم الأب إيليّا كتابه بالقول: " ليس هذا الكتاب ولا الحوار الإسلاميّ والمسيحيّ والوثيقة الإنسانيّة مقارنة أو مقاربة بين الدّيانتين، إنّما دعوة إلى العيش معًا، وتقبل الآخر من باب الحريّة والاحترام والقبول لله الّذي هو دائمًا فوق كلّ الديانات، ومعتقداتها وعقائدها، الخالق خارج قدرات المخلوق على الإحاطة به، إنّما لا يستغنى عن المنطق في عملية فهم الإيمان.. ونستطيع التّأكيد أنّ الأخوّة الإنسانيّة لا تبنى على نصوص، وإن كانت مطلوبة، إنّما بالنّفوس والتّحلي بالخصال والفضائل الإلهيّة والإيمان والرجاء والمحبّة".