حمل الكلام الاخير للامين العام لحزب الله السيد ​حسن نصر الله​ الكثير من المعطيات الكفيلة، عند تحليلها، بتغيير النظرة حيال حزب الله ودوره وقوته المحلية والاقليمية، والقلق مما يمكن ان يحصل في المستقبل اذا ما استمر الاحتلال الاسرائيلي في اطماعه ب​لبنان​، وفي حال لم تبصر التسوية الشاملة النور، بحيث تبقى التسويات المحدودة الصلاحية هي سيدة الموقف.

في كلمته الاخيرة التي اطلّ بها، بدا الامين العام لحزب الله بالغ الانزعاج من الخسائر البشرية التي لحقت بكوادر الحزب، ولو انه اعاد التأكيد على العقيدة الدينية التي تتبنى الشهادة وتعتبرها اسمى ما يمكن ان يبلغه التكريم. وبما ان الكلام الذي قيل متشعّب ويحمل الكثير من سبل التشريح والتعليق، لا بد من التوقف عند نقطتين مهمتين ميّزتا الاطلالة الاخيرة، وهما: طائرة الهدهد وتهديد ​قبرص​.

في قراءة لجهات معارضة لسياسة الحزب، تسلّم بأن الخرق الذي سجّله الحزب ليس بالامر السهل، وحتى التبريرات الاسرائيلية التي اعطيت للتخفيف من اهميته، لم تكن ناجحة وفاقمت الازمة النفسية التي يعيشها الاسرائيليون بسبب ما يحصل ان في غزة او على الحدود اللبنانية. وتعتبر الجهات ان توقيت الافراج عن هذا الفيديو يحمل دلالاته، وقد يكون قوة دافعة للمبعوث الرئاسي الاميركي ​آموس هوكشتاين​ للضغط على المتشددين الاسرائيليين بعدم الترويج لتوسيع رقعة الحرب، وان مواجهة حزب الله لا تشابه شيئاً مواجهة "حماس"، ان من ناحية الشكل او من ناحية المعارك الميدانية. وبالتالي، كان لهوكشتاين افضلية في عرض الاسباب الموجبة لعدم تغيير الستاتيكو على الحدود الجنوبية للبنان، علماً ان ما قاله نصر الله حيال المساحة الامنية التي اصبحت واقعاً، لا تقتصر فقط على لبنان بل ان الاسرائيليين ايضاً ابتعدوا عن الحدود ما يقارب من مسافة 8 كلم ايضاً.

ورأت الجهات نفسها، ان خوض نصر الله غمار الحرب النفسية، ورهانه على خوف الاسرائيليين المتواجدين في حيفا والشمال للضغط على رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو لوقف الحرب، لن تنجح لان المسؤولين الاسرائيليين حضّروا شارعهم مسبقاً بأن الحرب ستطول وان الثمن لن يكون سهلاً، ولكن في المقابل قدّموا كل التسهيلات وعوامل الراحة والامان لمن تم تهجيرهم من بيوتهم، فيما اللبنانيين الجنوبيين يعضّون على جرحهم وليس هناك من يعوّض عليهم او يهتم بهم. وتسلّم الجهات بأن اي حرب برية ستكبّد الاسرائيليين خسائر كبيرة، ولكن يجب ايضاً النظر الى ما سيتكبّده اللبنانيون، وهل سنكون امام مجازر اسرائيلية بحق اللبنانيين كما حصل بحق الغزاويين؟ لذلك، ترى هذه الجهات ان كلام نصر الله لم يطمئن اللبنانيين لجهة ان قوة الردع قائمة، فالوضع هناك يختلف عن الوضع هنا على الصعد كافة: الاقتصادية والمالية والدبلوماسية والمعيشية... ولا يصحّ اجراء اي مقارنة في هذا السياق.

وتابعت الجهات المعارضة حديثها، فقالت ان الطامة الكبرى كانت في تهديد نصر الله لقبرص بقصفها اذا ما استعملت القوات الاسرائيلية الاراضي القبرصية لاستهداف لبنان. واشارت الجهات الى ان هذا الحديث انما يدلّ على شيء واحد وهو ان نصر الله ابلغ الجميع في الداخل والخارج انه الآمر الناهي وانه يختصر الدولة اللبنانية، فقتال اسرائيل شيء، وتهديد دولة ذات سيادة يقيم معها لبنان علاقات صداقة شيء آخر. وقالت الجهات انه كان يجب على الحكومة اللبنانية التواصل مع القبارصة وابلاغهم ان استخدام اراضيهم لقصف لبنان امر غير مقبول وسيؤدي الى تبعات غير مرغوب بها، ويمكن للحكومة، في حال تأكدت من المعطيات، التهديد بأسلحة كثيرة ربما اهمها مثلاً عدم ضبط الحدود امام النازحين السوريين وهو الامر الذي يقضّ مضاجع القبارصة الذي اتى رئيسهم الى لبنان مرتين متتاليتين لبحث هذا الامر.

وسألت الجهات: ما الحكمة من تهديد دولة صديقة يعتمد عليها لبنان في الكثير من الامور (الانترنت، التواصل مع اوروبا...) وكانت ملجأ للبنانيين الذين هاجروا خلال الحرب؟ ولماذا تصعيد اللهجة الى هذا الحد اذا لم يتم استعمال الاراضي القبرصية لضرب لبنان، مع تأكيد الرئيس القبرصي ان هذا الامر غير وارد؟ وفي وقت يجب على لبنان اكتساب عدد اكبر من الاصدقاء، هل نعمد الى ابعاد الاصدقاء الحاليين بمجرد الشبهة؟.

وخلصت الجهات الى ان نصر الله اخطأ كثيراً في تقديراته، ولم يكن عليه ان "يكبّر الحجر"، وان يعي ان تهديداته لاسرائيل يمكن ان تمرّ، ولكن لا يحق له ان يأخذ دور الدولة ويعمد الى تهديد دولة اخرى، والا فليقصف العراق وسوريا واليمن حيث تستعمل القواعد الاميركية من جزء من هذه الاراضي لامداد الاسرائيليين بالعتاد والتجهيزات، ولتعتبر هذه الدول "عدوة".