لم تتوقّف أصداء التحذير الذي وجّهه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى قبرص في كلمته الأخيرة، بأنها ستكون في عين أي حرب يشنّها العدو على لبنان وتُستخدم فيها قواعد ومطارات الجزيرة. ولليوم التالي، واصلت الحكومة القبرصية تقديم توضيحات تركّز على أنها غير متورطة في أي صراعات عسكرية وستظل كذلك، وأن المسؤولين القبارصة لا يسمحون بأن تكون بلدهم منصة لاستهداف دولة أخرى. وعلمت «الأخبار» أن خطاب نصرالله تزامن مع زيارة وفد من المخابرات القبرصية برئاسة نائب مدير الاستخبارات القبرصية إلى بيروت، ومواعيد محدّدة مسبقاً مع مديرية المخابرات في الجيش لبحث موضوع الهجرة غير الشرعية حصراً. لكنّ الوفد، عاد وطلب مقابلة المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري وبحث معه تصريحات نصرالله. وكرّر الوفد للبيسري موقف بلاده بعدم السماح «لأي دولة باستخدام أراضيها وقواعدها الجوية لتهديد لبنان، وأنه لا صحة على الإطلاق لوجود قرار بوقف منح اللبنانيين تأشيرات لدخول الجزيرة». وأشار الوفد إلى «وجود قاعدتين بريطانيتين على الجزيرة لا تخضعان لسيادة الحكومة القبرصية».

وفي بيروت، قالت مصادر رفيعة المستوى إن «المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الحكومة التي لم تقدم على أي خطوة دبلوماسية تُعبّر عن موقف لبنان من المناورات التي أجراها الجيش الإسرائيلي في مدينة بافوس (على الساحل الجنوبي الغربي لقبرص) استعداداً لـحرب مع لبنان، علماً أن المناورات جرت مرتين».

واعتبرت المصادر أن «الإهمال الرسمي لهذا الملف، هو ما دفع بنصرالله إلى إعلان هذا الموقف للمرة الأولى». وأكدت المصادر أن أي اتصال لم يحصل بين القبارصة وحزب الله منذ التصريحات، برغم أن العلاقات قائمة بين الجانبين.

بارود: لم يبقَ من القرار سوى «اليونيفيل»

الى ذلك، اشار وزير الداخلية اللبناني الأسبق زياد بارود، إلى أنه «منذ صدور القرار 1701 في العام 2006 لم يطبق بحذافيره من الجانبين»، مذكِّراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بـ«التقارير الدورية الصادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة، التي بلغ عددها حتى شهر تموز الماضي 52 تقريراً، عددت الخروقات الواسعة، لا سيما من الجانب الإسرائيلي، خصوصاً الطلعات الجوية، وخطف المزارعين اللبنانيين والتعرض للمدنيين».

واوضح بارود: «لا شك في أن هذا القرار أوقف الأعمال العسكرية في العام 2006، وأرسى وضعاً قانونياً على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، لكن بعد السابع من تشرين الاول الماضي، لم يبقَ منه سوى وجود قوات الطوارئ الدولية التي تراقب الخروقات على الجانبين».

وقد أدى ما طُبِّق من القرار إلى «استقرار الحدّ الأدنى» على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وفق تعبير وزير الداخلية الأسبق زياد بارود، الذي راى أن «العنوان الأساسي للقرار هو رعاية قوات الطوارئ الدولية للأمن على الحدود. ورغم ما تعرّض له من انتكاسات، بقي الاستقرار مقبولاً منذ العام 2006 حتى السابع من تشرين الاول 2023، إذ بات القرار معلّق التطبيق، إلى حين تطبيقه مجدداً أو إدخال تعديلات عليه والاتفاق على قرار آخر».

وشدد بارود على أن «كل ما يسعى إليه المبعوث الأميركي، آموس هوكستين، وكذلك الورقة الفرنسية، هو العودة إلى تطبيق القرار، لأن الخروج منه يعدّ مخاطرة كبيرة»، ولا يستبعد «إمكانية إدخال تعديلات عليه حتى يتكيّف مع مرحلة ما بعد وقف الأعمال العسكرية».

لا لحرب ثالثة!

واذا كانت التهديدات الاسرائيلية قد فعلت فعلها، وأشاعت اجواء قلق كبرى في الاوساط الداخلية، من تكرار التجارب الحربية الاسرائيلية ومآسيها على لبنان واللبنانيين، التي لم تُمح من الذاكرة بعد، الّا انّ قيام الحرب ما زال أضعف الاحتمالات، وفق ما يقول مرجع سياسي لـ«الجمهورية»، الذي يدعم قوله هذا بسببين:

الأول، وهو المنع الاميركي لهذه الحرب، حيث انه منعٌ أكيدٌ وحازمٌ، فواشنطن منخرطة في حربين كبريين، الأولى في اوكرانيا والثانية في غزة، وكلا الحربين بلغتا الافق المسدود. وتِبعاً لذلك لا تستطيع ان تماشي او تقبل بالانخراط بصورة مباشرة او غير مباشرة في حرب ثالثة من شأنها ان تفتح الأفق على تحولات غير محسوبة، فكيف اذا كانت هذه الحرب في منظورها، في غير مصلحة اسرائيل، ومن شأنها أن تلحق اضرارا كبرى بها.

اما السبب الثاني، يقول المرجع عينه، فيعبَّر عنه من داخل اسرائيل، حيث ينبغي هنا التمعّن ملياً في ما يعكسه الاعلام الاسرائيلي ومستويات سياسية وعسكرية اسرائيلية من أن الجبهة الداخلية غير جاهزة للحرب.

المقاومة العراقية: سنقاتل إلى جانب حزب الله

وفي السياق، اعلنت مصادر في المقاومة الإسلامية في العراق لـ "الاخبار" إن «كتائب حزب الله في العراق» و»حركة النجباء» أعلنت استعدادها للمشاركة إلى جانب «حزب الله»، في حال موافقته، في مواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل على لبنان، مبيّنة أن الفصيلين المذكورين أدليا بهذا الموقف خلال اجتماع بين فصائل المقاومة العراقية ووزير الخارجية الإيراني بالإنابة، علي باقري كني، الذي زار العراق قبل عيد الأضحى.

وأشارت المصادر إلى أن باقري كني تحفّظ على مشاركة فصائل عراقية إلى جانب «حزب الله»، وذلك تلافياً لتوسيع ساحة الحرب في المنطقة في الوقت الراهن.

وفي السياق ذاته، يؤكد المتحدث باسم «كتائب سيد الشهداء»، كاظم الفرطوسي، أنّ لدى «حزب الله الإمكانات العالية والتجهيز الكامل والتسليح النوعي وأعداداً كبيرة من المقاتلين، كل ذلك كفيل بصدّ أكبر عدوان مهما كانت إمكانات العدو»، مضيفاً: «ومع ذلك، وفي حال تطلّب الأمر وجود المجاهدين من العراق في جنوب لبنان، سنكون في أول الخطوط المتصدّية للعدوان الصهيوني، كون هذه قضية إسلامية وعربية تذوب فيها كل الخصوصيات والحدود».

الحل في إسرائيل

غير انّ مصدرا ديبلوماسيا لبنانيا أكد لـ«الجمهورية» انّ كرة الحل في ملعب اسرائيل، والأميركيون راغبون في خفض التصعيد على جبهة الجنوب، كإجراء مساعد لبلوغ حل سياسي في جنوب لبنان، وقد أبلغونا بوضوح بأنّ انتهاء الحرب في غزة يعجّل بالحل السياسي.

وحول التهديدات الاسرائيلية بعمل عسكري ضد لبنان، قال المصدر: الاميركيون قلقون من هذه التهديدات، الا انهم لا يجزمون بوقوعها، بل هم يغلّبون الحل السياسي، وهوكشتاين قال بوضوح ان هذا الحل في متناول اليد، ربطاً بمبادرة بايدن التي يؤكد الاميركيون انها ستجد طريقها الى التطبيق في نهاية الأمر.

ولدى سؤاله: ولكن ما الذي يؤخّر سريان المبادرة الاميركية؟ أجاب المصدر: لم يطرح الاميركيون مبادرة لتسقط، فهم يعوّلون على نجاح الوساطة المصرية والقطرية مع حماس، ولن يفشلوا في حمل حكومة نتنياهو على تليين موقفها والانخراط بمسار الحل التي ترى واشنطن انّ فيه مصلحة لإسرائيل، والضغط الاميركي واضح في هذا الاتجاه. وتِبعاً لذلك، اعتقد انّ الصورة ستتبلور ضمن حدود زمنية لا يفترض انها بعيدة.

وخَلُص المصدر الى القول: قد تبدو حركة «حماس» متصلّبة حيال المبادرة الاميركية، لكن هذا امر مبرر في موازاة التصلب الاسرائيلي وعدم تجاوب نتنياهو وحكومته المتطرفة مع الجهود الرامية الى وقف الحرب. ولعل هذا الامر واحد من الاسباب الخفية الكامنة خلف احتدام الكباش بين ادارة بايدن ونتنياهو، الذي يتهمه مسؤولون كبار في الادارة الاميركية بأنه يمارس عملية ابتزاز علنية للرئيس بايدن على باب الانتخابات الرئاسية.