توقّع رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، أن "يذهب الوضع في جنوب البلاد حيث المواجهات بين "حزب الله" وإسرائيل، إلى مزيد من التفجر، وأن نكون على أبواب تصعيد أكبر من التصعيد الذي نراه راهناً"، مبديًا أسفه "لغياب الحكومة عما يجري من التصعيد والتحركات، ومن الرسائل الدبلوماسية والرسائل السياسية وغيرها، كأنه لا يوجد أي حكومة في لبنان. وبالتالي عندما يكون أبوك وأمك، أي حكومتك الشرعية غائبَين، هذا يعني أنه ممكن أن يتم أخذك إلى أي مكان، وللأسف هناك من يأخذ لبنان إلى المجهول".
وأعرب، في حديث مع صحيفة "الشرق الأوسط"، عن اعتقاده أن "حرب الجنوب اللبناني لا ترتبط بحرب غزة وحدها، فنحن الآن، وبسبب ارتباطات "حزب الله"، مربوطون من البحر الأحمر إلى مضيق باب المندب، إلى مضيق هرمز والعراق وسوريا، وصولاً إلى لبنان. وهذا الترابط يضع البلاد في موقع خطر"، مبيّنًا أنّه "إذا بقيت الأوضاع على ما هي عليه، فنحن أمام حرب استنزاف لئيمة تكبّد لبنان أرواحاً بشرية من جهة، وخسائر اقتصادية من جهة أخرى، واستنزاف على المستويات كافة".
وأوضح جعجع أنّه "أما إذا تم التصعيد بشكل أكبر، فالله أعلم أين سنصبح وماذا سيحصل وكيف ستكون الخسائر"، معتبرًا أنّ "لبنان خاسر في كلتا الحالتين، ومَن المُفترَض أن يعتني بلبنان، لا يعتني به، أو من يجب أن يعتني به هو الحكومة، وأكثريتها من محور الممانعة؛ وبالتالي هذا المحور يأخذ لبنان إلى الأماكن التي نحن فيها الآن".
ورَدّ ما وصفه بأنّه "الاستسلام الرّسمي" أي انكفاء الدولة، إلى أن "العدد الأكبر في الحكومة الحالية هو من محور الممانعة أو هم مؤيدون لهذا المحور، لذا هم فرحون بما يحصل، وهم يرتكبون جريمة كبيرة بحق لبنان"، مركّزًا على أنّ "برأيي كل لبنان يسقط في الوقت الحاضر في الجنوب، وهم يتحملون مسؤوليته، وأي خراب سيطول لبنان لاحقاً هم يتحملون مسؤوليته"، مضيفًا: "لا يستطيع أي شخص أن يأخذ مسؤولية رسمية ويقول إنه مغلوب على أمره، مَن هو مغلوب على أمره؟ عليه بالاستقالة".
كما نبه إلى أن "التهديدات التي وجهها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله إلى دولة قبرص المجاورة، والسيناريو الناجم عنها، مخاطرة كبيرة جداً"، مشدّدًا على أن "الشعب اللبناني لم يعد يقوم بردات فعل كبيرة لسبب بسيط، إذ إنه موجود بالمصيبة. ولا يوجد مصيبة إلا وهناك أخرى أكبر منها، وبتقديري أن الأمور تسير نحو مصيبة أكبر". وأشار إلى "أنّني لا أستطيع أن أفهم لماذا نهاجم اليوم دولةً كقبرص... إنها تصرفات غير محسوبة وغير مسؤولة. قبرص هي دولة الجوار الوحيدة من دون مشاكل معها".
واستنتج جعجع من مسار الحوار أن "هناك حساباً واحداً في لبنان اليوم، عنوانه: ما هو الأفضل للمصلحة الاستراتيجية لإيران"، لافتًا إلى "أنّني أفهم أن يقوم الإيرانيون بحسابات على أساس ما هو الأفضل لمصالحهم، وهذا أمر طبيعي، ولكنّ فريقاً لبنانياً (حزب الله) يجرّ كل لبنان نحو ما فيه مصلحة لإيران، هذا أمر غير مقبول".
وذكر أنّه لا يرى وجود هامش حركة فاعلة للمعارضة اللبنانية حيال ما يحصل، "نحن نعارض كما يجب، ولهذه الغاية عقدنا مؤتمراً في معراب الشهر الفائت، تناولنا فيه موضوع الجنوب، وركزنا على تطبيق القرار 1701"، موضحًا أنّه "إن كان الأمر هو للحفاظ على الجنوب وعلى أرض لبنان، فنحن بالطليعة للدفاع عن هذا الأمر، والـ1701 يؤمّن حماية الجنوب. فإن انتشر الجيش اللبناني مكان "حزب الله" في الجنوب، أفلا نؤمّن لبنان بهذه الطريقة؟ بالتأكيد".
من جهة ثانية، رأى أن "الانتخابات الرئاسية كان يجب أن تحصل قبل شهرين من نهاية ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، ولكن للأسف من جديد محور الممانعة، وأمام أعين العالم، يعطل الجلسات ولا يزال يعطلها حتى اليوم"، موضحًا "أنّه لا يتوقّع طبعاً حصول اختراقات في الملف الرئاسي قريباً، لسبب بسيط هو أن لدى محور الممانعة أولويات أخرى. وهو يعطل انتخاب الرئيس من خلال رئاسة المجلس، ومن خلال انسحاب نوابه من جلسات الانتخاب".
وأكّد رئيس "القوات"، "أنّنا لم نترك مقاربة إلا وجربناها، آخر مرة عندما كان الموفد الفرنسي جان إيف لودريان في لبنان طرحت عليه ثلاث مقاربات، أخذها بالاعتبار ورأى أنها منطقية. المقاربة الأولى أن نقبل جميعنا بمبادرة تكتل "الاعتدال الوطني"، المقاربة الثانية أن ينزل لودريان شخصياً إلى المجلس النيابي للاجتماع بممثلين عن الكتل النيابية كافة، لوضعهم بأجواء الخلاصة التي توصل لها بعد جولته على كل الفرقاء. وبعدها يتركهم ليتشاوروا، وعلى الأثر يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري لجلسة في المجلس النيابي بدورات متعددة حتى انتخاب رئيس".
وفسّر أنّ "المقاربة الثالثة أن يدعو بري لجلسة انتخاب رئيس كالعادة، وإن أفضت الجلسة الأولى إلى رئيسٍ كان به، وإن لم تفض يعلق الجلسة ولا يقفل المحضر، ويترك مجالاً للكتل النيابية للتشاور، وبعدها يعقد جلسة ثانية، وهلم جراً، لانتخاب رئيس". وأفاد بأنّ "لودريان أخذ هذه الاقتراحات وأرسل موفدين، وتواصل مع جماعة الممانعة، وطرح عليهم كل هذه المقاربات، فلم يقبل بأي مقاربة".
ولا يوافق على مقولة إنه لا يوجد أكثرية تأتي برئيس في البرلمان الحالي، معتبرًا أنه "يجب ترك العملية الرئاسية تسير بالجدية المطلوبة، لترى إن كان هناك أكثرية أم لا"، مبيّنًا أنّ "في آخر جلسة عقدت في 14 حزيران من العام الماضي، لو تركوا الدورة الثانية من الانتخابات تنعقد، لكان لدينا رئيس جمهورية منذ ذاك الوقت".
وعن تمسك المعارضة برفض الحوار حول الانتخابات، أشار جعجع إلى أنّ "الحوار قائم كل لحظة وكل ساعة، وأعطيت ثلاث مقاربات تؤدي للحوار، لا أحد يغش الرأي العام. ونحن كنا وما زلنا مع كل حوار ممكن أن يؤدي إلى نتيجة. وطرحنا ثلاث طرق لحوار جدي، ورُفضت الطرق الثلاث"، مشدّدًا على أنّ "ما نحن ضده هو طاولة حوار رسمية، لأنها تخالف للدستور. ومن جهة أخرى، إذا قبلنا بها نكون قد خلقنا عرفاً نصبح ملزمين به إلى أبد الآبدين".
وتابع: "المعادلة التي يضعها محور الممانعة واضحة، فهو يقول لنا إما أن تنتخبوا مرشحي لرئاسة الجمهورية أو ما يوازيه، وإما أن تبقوا من دون رئيس جمهورية. ونحن بالطبع لن ننتخب مرشحه بعد كل ما مر به لبنان. نحن نضغط قدر الإمكان، نجرب، نبتدع خطوات ونتحاور، ولكن لن نقفز فوق الدستور. نجرب أي أمر آخر لكي نخرق هذا الحصار، ولكنني أشك، لأن محور الممانعة أولوياته أخرى، ولا يهتم بلبنان ولا بالرئاسة".
إلى ذلك، لا يرى أنّ لحراك رئيس "التيار الوطني الحر" النّائب جبران باسيل في الملف الرئاسي، "أفقاً أو جدوى"، متسائلًا: "هل قام باسيل بأمر جدّي في يوم من الأيام؟"، مستطردًا: "ما يقوم به باسيل من خطوات هو لكي يقول إنه لا يزال على المسرح السياسي، وهو يتحرك. باسيل يحاول بيع بري موقفاً، وربما يقبل الأخير بأن يتفاهم معه على مرشح "خنفشاري" على شاكلة باسيل لرئاسة الجمهورية".
ولفت جعجع إلى أنّ "هناك 25 نائباً في المجلس النيابي باستطاعتهم أن يميلوا الدفة، ولكن حتى اللحظة هم لا يريدون الدخول بمواجهة مع أحد. هذا واحد من الحلول الممكنة، ونحن نعمل في هذا الاتجاه". وعن وجود بوادر إيجابية، قال: "لا بأس، التقدم بنسبة 30 في المئة، ونحن نجرب".