على وقع التّصعيد على الجبهة الجنوبية اللبنانية، بدأ أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين زيارته أمس إلى لبنان، ومن المتوقّع أن يشارك في "لقاء ديني وطني" موسّع في بكركي، دعا اليه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في حضور مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، نائب رئيس "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" الشيخ علي الخطيب، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى؛ ورئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ علي قدور.

وعلمت صحيفة "الجمهورية"، ان "لا جدول اعمال محدداً للقاء، وان هناك مشروع بيان مشترك قد أعدّت مسودة اولية له، لإعلان موقف لبناني جامع من القضايا الداخلية الوطنية والاقليمية، ويركّز على التجربة اللبنانية وتعزيز العلاقات الإسلامية- المسيحية التي هي "رسالة فاتيكانية" ثابتة".

اهتمام فاتيكاني متزايد بلبنان: رسائل للمسيحيين بلا خارطة طريق

على صعيد متّصل، لفتت صحيفة "الأخبار" إلى أنّ "لم يكد الأب ميشال جلخ يلتحق بوظيفته الجديدة كأمين سر لدائرة الكنائس الشرقية في الفاتيكان، وهو الموقع الأعلى في التراتبية الإدارية من جميع بطاركة الكنائس الكاثوليكية في الشرق، حتى بدأت السفارة البابوية في بيروت حجز مواعيد لأمين سر دولة الفاتيكان بيترو بارولين (الرجل الثاني بعد البابا، والأول في الدور والوظيفة السياسييْن بوصفه رئيس السلطة التنفيذية ومدير العلاقات الخارجية) الذي أعلن، منذ الأول لتعيين البابا فرنسيس له سكرتيراً للدولة 2013، أن هدفه "تغيير علاقات الكنيسة، وتجديد جميع هياكل الكنيسة بما في ذلك بلاط البابوية والدبلوماسية الكنسية".

وأوضح معطّلون للصّحيفة، أنّ "زيارة بارولين التي بدأت أمس وتستمر ثلاثة أيام، تحمل رسائل عدة:

- أولاها، إصرار الفاتيكان على القول إنه موجود في لبنان، كما كان هدف زيارات الموفد الفرنسي جان إيف لودريان ووزير الخارجية الإيرانية بالإنابة علي باقري كني والموفد الأميركي عاموس هوكشتين، إذ لم يكد رئيس دائرة كنائس الشرق الأوسط في الفاتيكان لاوديو غودجيروتي يغادر لبنان، حتى وصل أمين سر الفاتيكان. وإذا كان المسؤولون الفاتيكانيون اعتادوا المرور بلبنان في سياق زياراتهم للمنطقة، إلا أن بارولين يحصر زيارته بلبنان، مع تسريب مراجع فاتيكانية في روما، في الأيام الماضية، بأن الكرسي الرسولي أبلغ الأميركيين بحزم بوجوب منع إسرائيل من توسيع الحرب، لأن المنطقة وأهلها لا يتحمّلون مزيداً من الحروب؛ فيما لا ينفك بارولين يكرر الحديث عن "استعداد البابا لعمل جدي من أجل تسوية شرق أوسطية تقوم على حلّ الدولتين".

- ثانيتها، تجاوز الكرسي الرسولي المنظمات والرهبانيات التي تخصص ميزانيات ضخمة للعمل الاجتماعي والتربوي والاستشفائي، وتدير مدارس ومستشفيات وتوظّف الآلاف، لتكريم جمعية "فرسان مالطا" التي تسجل إنجازات جدية في المشاريع الاستشفائية (والزراعية أخيراً)، رغم أن ميزانيتها (نحو 20 مليون دولار سنوياً) وعدد موظفيها (أكثر من 600) لا يُقارنان بجمعيات كاثوليكية أخرى، وهو ما يجعل تخصيص الجمعية بتكريم على هذا المستوى أمراً لافتاً. ورغم أن تعيين جلخ شيء وتكريم بارولين لفرسان مالطا شيء آخر، يبدو السياق الأساسي للأحداث واحداً: مع تركيز الكرسي الرسولي على "التغيير والتجديد" داخل المؤسسات الكاثوليكية وفي علاقتها مع الكرسي الرسولي، لتصبح علاقة مؤسسية لا علاقة أفراد واتصالات جانبية، يعطي بارولين "فرسان مالطا" الشرعية الرسمية التي تفتقدها بوصفها الذراع الاجتماعية- الخدماتية المباشرة للكرسي الرسولي في الشرق، ويؤكد أن هذا النمط من الانفتاح والعمل في جميع المناطق والمناطق المنسية والبعيدة خصوصاً هو أكثر ما يريده الكرسي الرسولي، وأن المستوصف الصغير الذي لا يبغي الربح ويفتح أبوابه للجميع أهم من المستشفيات الضخمة التي تبغي الربح ولا تستقبل الفقراء.

- ثالثتها، قدوم بارولين لزيارة الموظفين والمتطوعين في المستوصف ومركز رعاية المعوقين، يؤكد رهان الفاتيكان على الأفعال أكثر من الأقوال، وعلى من يحاولون أن يفعلوا شيئاً أياً كان حجمه بدل البكاء المتواصل على الأطلال.

رغم إلحاح البعض في طلب مواعيد مع الزائر الفاتيكاني، حاولت السفارة البابوية الاكتفاء بالزيارات البروتوكولية الضرورية، وتخصيص اليوم للقاء أكبر عدد ممكن من رجال الدين، مسيحيين ومسلمين، مع رغبة السفارة بأن تتطور هذه اللقاءات إلى ورش عمل بدل أن تنتهي بالتقاط الصور؛ فيما يخصص الثلاثاء لزيارة منشآت اجتماعية والصلاة مع المتطوّعين.

- الرسالة الرابعة التي يُفترض أن يكرر بارولين الحديث عنها في خطابه، هي تجاوز عقبة تقاذف المسؤوليات وتبرير الفشل والعناد، نحو الانخراط على المستويين الكنسي والسياسي في "التغيير والتجديد"، اللذين لم يملّ بارولين من الحديث عنهما منذ تعيينه في منصبه قبل أكثر من عشر سنوات. وإذا كان بارولين قد التقى بعيداً عن الإعلام رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل خلال زيارته الأخيرة لروما قبل بضعة أسابيع، وخرج من الاجتماع بتصور إيجابي، فإن المقرّبين من أمين سر الفاتيكان يقولون إن المطلوب من جميع القيادات براغماتية تعترف بالواقع وتأخذ المتغيّرات في الاعتبار، لتبني مواقفها بكل ما يستلزم التغيير والتجديد من شجاعة".

وأكّدت "الأخبار" أنّ "ثمة عملا فاتيكانيا كثيرا في ما يخص لبنان: اتصالات بعيدة عن الأنظار مع قوى سياسية، إعادة ترتيب العلاقات مع الكنائس، ورش داخل الكنائس والرهبانيات، عملية التطويب التي تمثّل دفعاً معنوياً كبيراً للمؤمنين للبقاء في أرضهم، العلاقة مع المنظمات الإنسانية والاجتماعية والتربوية والاستشفائية، العلاقة مع أفراد معيّنين وما ينتج عنها من تعيينات للبنانيين في مواقع دبلوماسية وإدارية مهمة؛ والحركة المسؤولة للسفارة البابوية في لبنان".

وركّزت على أنّ "هذا كله، ورغم إيجابيته، يحصل بالمُفرّق من دون خارطة طريق أو تصوّر جدّي مع مراحل وتوقيت زمني، وهو ما يظهر هذا التراكم كله بمظهر الخطوات الارتجالية بدل تقديم مشروع متكامل يطمئن الرأي العام، ويلزم الأحزاب السياسية والكنائس والمؤسسات الاجتماعية بما يفترض احترامه وما لا يمكن تجاوزه".

وزيرة خارجية ألمانيا

في سياق متّصل، أشارت مصادر دبلوماسية للصحيفة، تعليقًا على الجولة المرتقبة لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في الأيام المقبلة في المنطقة، إلى أن "بيربوك تحمل في جولتها على اسرائيل والاردن ولبنان، وربما السعودية ومصر، رسالة تدعو الى خفض التوتر، وتؤكد انّ بلادها التي تعمل في إطار ال​سياسة​ الخارجية للاتحاد الأوروبي، مستعدة للقيام بأي مبادرة تؤدي الى هذا الهدف".

انتخاب رئيس للبنان في "إجازة مفتوحة" وبري لن يدعو للتشاور بغياب "القوات"

بدورها، لفتت صحيفة "الشرق الأوسط"، إلى أنّ "انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية يدخل في إجازة قسرية مديدة، مفتوحة على كل الاحتمالات، بما في ذلك ترحيل الاستحقاق إلى أمد طويل. والأمر لا يتعلق حصراً بعدم تأمين الإجماع حول دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري النواب لتشاور بلا شروط يفتح الباب أمام انتخاب الرئيس بالتوافق، أو الذهاب لعقد جلسات انتخاب مفتوحة بدورات متتالية، وإنما لارتباط انتخابه بما سيؤول إليه الوضع على الجبهة الغزاوية، رغم أن "حزب الله" لا يربط إنجاز الاستحقاق الرئاسي بوقف إطلاق النار؛ من دون أن يسحب رغبته في الإتيان برئيس يطمئن إليه".

وأوضحت أنّ "الظروف الخارجية ليست ناضجة لتسهيل انتخاب الرئيس، وهي تنتظر ما ستتوصل إليه الجهود الدولية لمنع إسرائيل من توسعة الحرب في جنوب لبنان. وهذا ما يقف خلف إصرار الوسيط الأميركي آموس هوكستين على عدم إدراج انتخابه على جدول أعماله، وإعطاء الأولوية لنزع فتيل التفجير جنوباً".

ونقل نواب في "اللقاء الديمقراطي" عن بري، بعد لقائهم به، عبر الصحيفة، قوله "إنه يرحب بالتوافق. وفي حال تعذر، فإن الدعوة لجلسات انتخاب الرئيس تبقى قائمة". وأكدوا أن "بري كما أبلغهم، ليس في وارد الدعوة للتشاور بمن حضر، وقالوا إنه يشترط تأمين الإجماع للسير فيه، رغبة منه في ألا يُسجِّل على نفسه عزل فريق معين بذريعة أنه يرفض التشاور".

وأشاروا إلى أن "بري بموقفه الرافض للتشاور بمن حضر، لا يريد، في ضوء ما أوحى به أمامنا، تكرار ما ذهبت إليه الحركة الوطنية في الأسابيع الأولى على اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في ربيع 1975 بعزل حزب "الكتائب اللبنانية"، الذي أكسبه أوسع تأييد في الشارع المسيحي. وبالتالي لن يقدم على خطوة كهذه بعزل حزب "القوات اللبنانية"، لما يترتب عليها من تداعيات نحن في غنى عنها وتؤدي إلى تعميق الهوة بين اللبنانيين، مع أن "اللقاء الديمقراطي" كان ناقش مع رئيس "القوات" سمير جعجع ضرورة خفض منسوب التوتر المسيطر على علاقته ببري؛ انطلاقاً من أن لا مفر من التفاهم معه على تسوية لإخراج انتخاب الرئيس من التأزم".

وكشف النواب أنفسهم عن أن "بري أبدى ارتياحه للتحوّل الذي أبداه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل نحوه، بتأييده التشاور واستعداده لحضور جلسات تشريع الضرورة، من دون أن يبدّل موقفه برفضه انتخاب رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية؛ في مقابل فتح الباب أمام البحث عن رئيس توافقي".

بدورها، شدّدت مصادر نيابية لـ"الشرق الأوسط"، على أنّ "بري لا يزال حتى الساعة يتمسك بدعم فرنجية، وهو يراهن على عامل الوقت وما يمكن أن يحمله من تطورات تسمح بإعادة خلط الأوراق داخل البرلمان، وإن كان باسيل لا يزال يتحصن بموقفه، وهذا ما نقله للنواب الذين التقاهم في منزل النائب عبد الرحمن البزري، وإن كان لم يدخل في أسماء المرشحين".