منذ قرابة الثمانية اشهر والاشتباكات مندلعة بين حزب الله واسرائيل، وهي الاعنف منذ حرب تموز عام 2006، ولكنها لا تزال تحت سقف معيّن لم يقدر احدهما على خرقه لاعتبارات لا تعود الى ايّ منهما، بل الى الاوضاع والمعطيات الاقليمية والدولية. ولكن اللافت كان تصاعد نسبة الحرب النفسيّة بين الطرفين، بحيث تحوّلت وكأنها تعويض عن النقص في التصعيد الذي يرغب كل منهما في الوصول اليه، حتى ان اسرائيل تمثلت بالحزب باعتماد استراتيجيّة الترهيب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر القول بأنّها لم تستعمل بعد كل قدراتها العسكريّة، وهو السيناريو الذي يعتمده الحزب في اطار بثّ الرعب في نفوس الاسرائيليين.

بالامس، خرج مصدر عسكري اسرائيلي وصرّح لوسيلة اعلاميّة غربية انه في حال دخلت اسرائيل جنوب لبنان، فلن تخرج منه الا عبر اتفاق يجب ضمان تنفيذه ومفاده ان يبقى حزب الله خارج اطار 8 او 10 كلم من الحدود، واعترف المصدر نفسه بأنه في حال نشوب حرب، فيجب على الدولة اللبنانية تحمّل مسؤولياتها وسيكون لبنان جزءاً من الحرب وليس فقط حزب الله، مع الاعتراف بأنّ المشكلة على اسرائيل ستكون كبيرة ولكنها متحسّبة لهذا الامر، وان الهدف سيكون تقليص نفوذ ايران في المنطقة.

وازاء هذه المعطيات، رأى مصدر مطّلع ان هذا الكلام فيه استخفاف ما بعده استخفاف، وانه ليست بهذه الطريقة تدار الحرب النفسيّة، لافتاً في المقابل الى انّ المقال الذي نشرته "التلغراف" كان له وقع اكبر بكثير من هذا الكلام، في ما وصفه بأنّه "ضربة تحت الحزام" لان المطار هو الرئة الوحيدة التي يتنفس منها لبنان الى الخارج، واستهدافه يعني قطع هواء المغتربين عنه والدعم الدولي، وتحويله الى غزة جديدة من هذا المنظار. ولكن، تابع المصدر المطّلع، نسي صاحب الكلام الاسرائيلي ان الامر ليس بيده، فبمجرد ان قطعت الولايات المتّحدة شحنة من الاسلحة (قامت فقط بارجائها في الحقيقة) عن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ورفاقه من المتشددين، حتى علا الصراخ وتمّ اللجوء الى الاتّهامات بتهديد وجود اسرائيل. فكيف يمكن خوض حرب مماثلة لما حصل في العام 2006 من دون الدعم الاميركي المطلق؟ علماً انه في ذروة هذا الدعم منذ نحو 18 عاماً، لم يستطع الاسرائيليون البقاء في المناطق التي دخلوا اليها، وتكبّدوا خسائر كبيرة، فكم بالحري بعد كل هذا الوقت وفي ظلّ انقسام اسرائيلي واميركي قلّ نظيره، هل يصدّق الاسرائيليون انهم قادرون على البقاء في جنوب لبنان وهم غير قادرين على البقاء في غزة؟.

وجدّد المصدر المطلع تأكيده انّ واشنطن بدأت تشعر بسخونة الموقف، وان النار وصلت الى حديقتها الخارجيّة، لذلك تراها تعارض بشدّة توسيع رقعة الحرب باتجاه لبنان، لعلمها انّ ابواب الجحيم في المنطقة ستفتح ولن يكون من السهل اغلاقها، وان الاسرائيليين انفسهم لن يكونوا بعيدين عن النيران، وانّ المواقع الاميركية في المنطقة ككل، حتى في اكثر الاماكن امناً بالنسبة اليهم، ستكون عرضة للاعتداءات والاستهداف، بشكل قد يهدّد النفوذ الاميركي في المنطقة. فكيف يمكن لواشنطن عندها الدفاع عن جنودها وعن اسرائيل في الوقت نفسه؟ لذلك، يرى المصدر، ان الحرب النفسيّة هي المحكّ، لانّه باستطاعتها انهاء الازمة عبر اقناع الناس في كل الاتجاهات، بأنّ من يدعمونه هو الفائز، فيمكن لاسرائيل ان تدّعي الفوز بالنقاط وانها حققت مرادها عبر اظهار قوتها، كما يمكن للحزب قول الامر نفسه وان امكاناته الردعيّة اعطت ثمارها، فيما يبقى النفوذ الاميركي في المنطقة هو السائد ويخرج من دائرة الخطر.

في الحرب النفسيّة ليس هناك من فائز واحد، فالجميع سيفوزون في نهاية المطاف، وهذا هو المطلوب تحديداً في هذا الظرف.