من شاهد المناظرة التي دارت بين الرئيس الاميركي الحالي جو بايدن ومنافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، عرف بما لا يقبل الشك ان الاثنين لا يهتمان سوى بالفوز بالانتخابات، ولا يقيمان وزناً للمصائب التي تحلّ في العالم. وكشف كل منهما عيوب الآخر في المواضيع الرئيسية ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الحرب في غزة، الحرب الاوكرانية-الروسية، مسألة الهجرة...

واذا كان من الطبيعي ان يناصر كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري مرشحه، يمكن القول بموضوعية ان ترامب كان الفائز بالنقاط، وان كل المحاولات التي عمل عليها المحيطون ببايدن لمنعه من الظهور بمظهر الانسان المسنّ الضعيف وغير القادر على ترابط الافكار والدفاع عنها بشراسة، باءت بالفشل في معظم اوقات المناظرة، وهو ما سمح لترامب بالتندر خلال المواجهة بالقول: "لم افهم ما قاله في الجملة الاخيرة، ولا اعتقد انه فهم ما قاله ايضاً". لم تنجح استراتيجية الديمقراطيين في فرض مناظرة مبكرة بين الرجلين، اذ لم يتمكن بايدن من استغلال المشاكل القانونيّة لترامب لاحراجه، ولا الاستفادة من التناقضات وحتى الاكاذيب التي لجأ اليها للانقضاض على خصمه، فترنّح بايدن بفعل لكمات خصمه الكلاميّة وحاول توجيه بعض اللكمات من جهته، لكنها لم تكن كافية.

وفي ما خص المواضيع الاساسية المذكورة، كان واضحاً سعي الاثنين الى استمالة الاسرائيليين بشتى الوسائل، الى حدّ دفع ترامب الى اتّهام الرئيس الحالي بأنّه يبدو مثل "الفلسطيني" متعمداً بالتالي اثارة النعرات وحث الاسرائيليين على التصويت للجمهوريين. ولكنه غاب عن الرئيس السابق انه ناقض نفسه بوضوح حين قال انه يجب ترك الاسرائيليين يقومون بما يجب من اجل انهاء حركة "حماس"، فيما كان صرّح بنفسه في وقت سابق بأنّه يجب وضع حد للحرب الاسرائيلية لانه لا يمكن ان تستمر لوقت طويل. هذا الامر ان دلّ على شيء، فعلى الضياع الذي يسود في التعامل مع هذه الحرب البالغة الاهميّة لمنطقة الشرق الاوسط والعالم على حد سواء، والتركيز فقط على الفوز بالانتخابات الرئاسيّة وارجاء كل ما عدا ذلك الى وقت لاحق.

وفي ظلّ الحديث عن الحرب الروسية-الاوكرانية، لم تتغيّر الصورة، اذ وعد ترامب بحل الموضوع، في حال انتخابه، قبل ان يحلف اليمين الدستورية، من دون ان يحدّد الوسيلة، ولكنه جدّد التلميح الى انه يمكن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين فعل ما يريد مع الدول الاوروبيّة التي تتلكأ عن دفع مستحقاتها لـ"الناتو" لانّ الاميركيين غير مستعدين ان يدفعوا فواتير احد. هذا الامر عجز بايدن عن استغلاله كما يجب فاكتفى بالتحذير من ان موقف خصمه سيزعزع العلاقات مع الاوروبيين وسيضع اميركا خارج حلف شمال الاطلسي، من دون ان يعزز هذه المخاوف ويضيء على تداعياتها في المساهمة بتغيير صورة الوضع الحالي الذي يسود العالم واحادية القرارات الدوليّة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.

وللتدليل على ان الرجلين يستميتان للوصول الى الرئاسة، وصل التحذير الى حد التهويل بالحرب العالمية الثالثة، اذ حذر كل منهما الناخب الاميركي من ان وصول الآخر الى البيت الابيض سيقرّب العالم من هذه الحرب، في حين ان احداً منهما لم يشرح استراتيجيته لتفادي هذه النقطة، وكأنّ الحرب العالمية اصبحت امراً ثانوياً امام الانتخابات، او تخويف مشروع يمكن اللجوء اليه باستخفاف، في حين قامت الدنيا حين تم الحديث عن استخدام روسيا لهذا السلاح في حربها الدائرة مع اوكرانيا.

في الحصيلة الاولية للمناظرة، عاد ترامب الى مناوراته ولجأ الى الكذب في بعض الاحيان، ما وضعه في موقف حرج وتحديداً عند سؤاله عما اذا كان سيعترف بنتائج الانتخابات على عكس ما حصل منذ نحو اربع سنوات، فتفادى الاجابة وبدا انه لا يزال يشجّع الحركات الاحتجاجية العنفيّة التي دارت في نهاية عهده. اما بايدن، فبدا بالفعل، كما توقع الجميع، ضعيف الجسد ومشتّت الافكار وكأنّه يرغب في انتهاء المناظرة سريعاً، في وقت بدأ مؤيّدون له من الديمقراطيين الحديث عن وجوب بحث احتمال استبداله في السباق الرئاسي، ولكنه امر بعيد المنال ما لم يصدر عنه شخصياً قرار الاعتكاف عن الاستمرار في الترشح، علماً انه حصد اموالاً مهمة لحملته الانتخابية في الآونة الاخيرة.

وفي حين يمكن القول ان ترامب فاز بالنقاط في هذه المناظرة لانّه لم يكن صادقاً وواضحاً في كثير من الاحيان، يدور الشك حول فرص استضافة مناظرة ثانية في ايلول المقبل، ومن المرجح الا تحصل اذا لم يستطع فريق بايدن تعويض صورته التي زادت اهتزازاً، أنه في حال العكس فسيكون فوز ترامب مضموناً انما... بالضربة القاضية.