في سياق الحرب الإسرائيلية النفسيّة على لبنان، تُطرح الكثير من علامات الإستفهام حول التحذيرات من السفر، التي تصدر عن بعض الدول، بالرغم من أنّ مسؤوليها لا يتوقفون عن زيارة بيروت، الأمر الذي دفع البعض إلى ربطها بالتصعيد القائم على مستوى العمليّات العسكرية في الجبهة الجنوبية، والقلق من إحتمال توسعها نحو حرب شاملة، في ظلّ التهديدات المستمرة من قبل المسؤوليين السياسيين والعسكريين في تل أبيب.

في هذا السياق، تذهب مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى التشديد على أنّ هذه التحذيرات روتينية، سبق أن صدر مثلها على مدى الأشهر الماضية، أي منذ تاريخ إندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول الماضي، وبالتالي لا يمكن البناء عليها للحديث عن تحول جديد، خصوصاً أن أغلبها يأتي في سياق التذكير بما كان قد صدر عن الدول نفسها سابقاً، أي أنها لا تعكس أي ترجيحات بالنسبة إلى أن السيناريوهات التي من الممكن أن تذهب إليها الأمور في المرحلة المقبلة.

وتشير هذه المصادر إلى أنّه في ظل الأجواء الراهنة من الطبيعي أن تصدر هكذا تحذيرات، لا سيما أن هذه الدول كانت تبادر إلى مثل هذه الخطوة عند وقوع مجرد إشتباك مسلح في لبنان، كمثل تلك التي صدرت قبل نحو عام خلال المواجهات في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، وتضيف: "إنطلاقاً من ذلك، من الطبيعي أن تبادر بعض العواصم إلى تحذير مواطنيها، في ظل التهديدات اليومية التي تصدر عن المسؤولين الإسرائيليين، وإلا تكون مقصّرة في واجباتها".

إلى جانب هذه التحذيرات، التي تستند إلى بيانات رسمية، تأتي تلك التي تظهر في بعض وسائل الإعلام، المحلّية والخارجيّة، نقلاً عن مصادر، متحدثة عن خطط إجلاء أو عن رفع مستوى التحذيرات في الأيام المقبلة، التي أيضاً من الطبيعي أن تفكر أيّ دولة كبرى في كيفية إجلاء رعاياها في حال إندلاع حرب في أيّ دولة أخرى، لكن بعضها قد يكون مدفوع الثمن بغرض تحقيق أهداف أخرى، من المؤكد أنها تخدم تل أبيب.

في هذا المجال، تشير المصادر المتابعة إلى معطيين أساسيين على هذا الصعيد، الأول هو أن إسرائيل نفسها منزعجة من الواقع اللبناني الداخلي، خصوصاً لناحية إستمرار الموسم السياحي في ظلّ الخسائر التي تتعرض لها هي، مع العلم أنّها تعتمد على هذا القطاع، لا سيما في المناطق الشماليّة، بشكل كبير، أما الثاني فهو السعي إلى زيادة الشرخ محلياً، عبر إفتعال المزيد من الخلافات المتعلقة بدور وسلاح "حزب الله" في هذه المرحلة بالذات، على إعتبار أنه المتسبب بما يتعرض له لبنان.

وتوضح هذه المصادر أنه من الناحية العملية فإنّ التهديدات الإسرائيلية لم تتوقف في أي يوم من الأيام، لكن تأثيرها لا يزال محدوداً، خصوصاً أن الإعتماد في القطاع السياحي اللبناني هو على المغتربين بالدرجة الأولى، بعد أن كانت الأوضاع السياسية، في السنوات الماضية، قد أدت إلى تراجع أعداد الوافدين من بعض الدول، التي سبق لها أن حذرت أو أصدرت منع سفر إلى لبنان، وتضيف: "ما تقدّم لا يعني عدم أهميّة معالجة هذا الخلل، لكن في المقابل لا يعطي صورة حقيقية عن الواقع الحالي، منعاً من الإنجرار إلى ما تريده إسرائيل".

في المحصّلة، تعود المصادر نفسها إلى التشديد على أن ليس هناك ما يدعو إلى القلق، على الأقل حتى الآن، من تصاعد وتيرة العمليات العسكرية إلى مستويات خطرة، بالرغم من ترجيحها إستمرار الحملة القائمة، نظراً إلى أنها جزءاً من العدوان القائم على لبنان، لكن الأساس يبقى التعامل معها بموضوعيّة تامة، بعيداً عن لعبة تسجيل النقاط من قبل بعض الأفرقاء المحليين.