تسعى الحكومة الإسرائيلية، على ضوء تعطل المفاوضات الهادفة إلى الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار، إلى الإيحاء بأنها تتجه إلى الإنتقال للمرحلة الثالثة من العمليات القتالية في قطاع غزة خلال أيام، الأمر الذي من الطبيعي أن يكون له تداعياته على الجبهة الجنوبية، التي كانت قد شهدت، في الأيام الماضية، المزيد من التصعيد.

في القراءات الإسرائيلية التي تقدم، الإنتقال إلى المرحلة المذكورة من العمليات العسكرية، من المفترض أن يعزز فرص الوصول إلى إتفاق دبلوماسي على جبهة لبنان، خصوصاً بعد أن أكد العديد من المسؤولين الإسرائيليين، السياسيين والعسكريين، الرغبة في الوصول إلى هكذا إتفاق، بغض النظر عن التهديدات التي يطلقها البعض منهم، لناحية إمكانية شن عدوان شامل أو حرب موسعة.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الحديث عن الإنتقال إلى المرحلة الثالثة، يعني أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ليس في وارد الذهاب إلى إتفاق لوقف إطلاق النار، بسبب التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك، بالنسبة إلى واقعه الشخصي تحديداً، لكنه في المقابل يعني أن تل أبيب أدركت أنها لا تستطيع الإستمرار في الحرب على المنوال نفسه.

بالنسبة إلى هذه المصادر، الواقع الداخلي في الولايات المتحدة، لا سيما بعد المناظرة بين الرئيسين الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب، أعطى نتانياهو الفرصة للرهان على عودة ترامب إلى السلطة، على أمل أن يقود ذلك إلى تحول في موازين القوى القائم حالياً، وبالتالي بات يستطيع المماطلة أكثر في التعامل مع الضغوط والدعوات التي توجه له من أجل الذهاب إلى تسوية.

وتلفت المصادر نفسها إلى أن ما تقدم يعني أن واشنطن لن تكون قادرة على الضغط أكثر على رئيس الوزراء الإسرائيلي، لأنها من الناحية العملية دخلت مرحلة الإستحقاق الرئاسي الداخلي، حيث تبحث قيادات الحزب الديمقراطي عن الخيارات الأفضل لمنع خسارة بايدن، لا سيما أن ترامب كان قد نجح، في المناظرة، في التقدم عليه بالنقاط، ما دفع بعض تلك القيادات إلى الحديث عن ضرورة البحث عن مرشح آخر.

إستمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة، ولو كان ذلك تحت عنوان المرحلة الثالثة التي من المفترض أن تشهد تراجعاً في حدتها، يعني أن الأمور على جبهة الجنوب ستكون منضبطة بشكل أكبر، من حيث المبدأ، على قاعدة أن التعامل مع هذه الجبهة، خصوصاً من جانب "حزب الله"، سيبقى على أساس أنها جبهة مساندة، بينما على الجانب الإسرائيلي لا يبدو أن هناك إستعدادات جدية لما هو أبعد من ذلك.

على الرغم من ذلك، تفيد المصادر المتابعة بأن "حزب الله" لا يتعاطى بتراخٍ مع احتمال انتقال الجهد الإسرائيلي من غزة إلى الشمال، بحسب تهديدات تل أبيب طوال الفترة الماضية، ولو أنه لا يزال يستبعد خيار الذهاب إلى حرب شاملة، حيث أنه يدرس جيداً كيفية الرد على أي تصعيد في الجنوب، ولو بقي التصعيد في إطار مساحات معينة، لذلك تحدث رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن شهر حساس، أي شهر تموز الحالي، بالرغم من أن كلامه كان في سياق دردشة اعلامية.

بالنسبة إلى هذه المصادر، حساسية الشهر الجاري يمكن مقاربتها من خلال مسألتين: الأولى هي أن انتقال الجيش الاسرائيلي إلى المرحلة الثالثة من الحرب على غزة يعني أنها ستكون أقل كثافة، ما يسمح بسحب فرق عسكرية كانت تقاتل في القطاع إلى الحدود مع لبنان، أما الثانية فتتعلق بما يجري داخل الولايات المتحدة من كباش انتخابي، وبالتالي يجب مراقبة ما يجري في هاتين المسألتين لملاحظة كيفية إنعكاسهما على الوضع في الجنوب.

في المحصلة، تعود المصادر نفسها بالتأكيد على معادلتين: الأولى هي أن إسرائيل، على المستوى الداخلي، غير جاهزة لحرب موسعة على جبهة لبنان، أما الثانية فهي أنها غير متيقنة من إمكانية تحقيق إنتصار عسكري، وبالتالي أي خطوة من هذا النوع قد تدخلها في مستنقع أخطر من ذلك القائم في غزة، وتضيف: "المرحلة الثالثة، ولو كانت لا تعني وقف العدوان، إلا أنها على الأرجح ستعني تراجع العمليات العسكرية بشكل كبير".