منذ خمس سنوات نشطت الصناعة اللبنانية، بعكس تيار الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية، إذ أخذت تجتاح رفوف السوبرماركت ومحال الألبسة والصيدليات. ما يعني أن ثقافة التسوق تلبننت، وأصبح المنتج اللبناني مطلوبًا ومرغوبًا من اللبنانيين. فمع انهيار العملة الوطنية وأزمة تأمين الدولار أول الأزمة في العام ٢٠١٩، والتي أدت إلى فقدان العديد من المنتجات من السوق، فضلًا عن كورونا وإقفال سلاسل الإمداد والتوريد ما بين الدول، بدأت الصناعة المحلية اللبنانية البديلة تنشط وتخلق خطوط إنتاج جديدة. هذه الخطوة أتت في اتجاهات عدّة، للتعويض عن البضائع المستوردة، التي ارتفع ثمنها من جهة، وحجبت الدولة الأم المصنّعة لهذه المنتجات توريدها إلى الدول الأخرى بسبب الإغلاق الذي حصل جراء كورونا.

إذن فالأزمة الاقتصادية الخانقة وعواقبها التي كانت معضلة أمام العديد من القطاعات، لعبت دور الدافع في الصناعة المحلية وخلقت منتجات وخطوط إنتاج بديلة عن المستورد. سلة هذه الصناعات تراوحت بين صناعة الأغذية والأدوية والمستلزمات والمستحضرات الطبية البسيطة، فضلًا عن مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة إضافة إلى الصناعة الحرفية.

إذن فالمستهلك اللبناني أصبح المقصد، والغاية لدى المصنعين والتجار هي بيعه المنتجات المحلية باسعار تتناسب وقدرته الشرائية التي أصبحت عاجزة عن شراء البضائع المستوردة.

وفي هذا الإطار احتلّت الصناعات الغذائية صدارة الصناعات المحلية اللبنانية مستفيدة من تميّز أصناف المطبخ اللبناني ومذاقها، وخبرة اللبنانيين وفرادتهم في صناعة المونة المنزلية.

وبحسب المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر، فإنه وخلال الأزمة، ظلّت الصناعة اللبنانية والمطبخ اللبناني بالتحديد، الشمعة في هذا النفق المظلم. وقد لاحظنا أنه وحتى خلال الأزمة في العام ٢٠٢١، سُجّل في وزارة الاقتصاد ما يقرب من ٣٣٥٠ علامة تجارية، نحو ٥٠ بالمئة منها هي من الصناعات الغذائية، تليها صناعة الألبسة، ثم صناعة المعقمات والمنظفات، بالإضافة إلى بعض المنصات الرقمية المخصصة للتسويق. في العام ٢٠٢٣، سجلنا ما يقرب من ١٨٠٠ علامة تجارية، وهي بمجملها مبادرات على المستوى الفردي أو مؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم.

في ما يتعلق بالمبادرات الفردية، نحن نحاول توجيه معظم أصحابها من خلال تسجيل علاماتهم التجارية والطلب منهم للقيام بالفحوص المطلوبة ليكونوا مطابقين للمواصفات، لأن الكل يسعى ليس فقط لتلبية حاجة السوق اللبنانية، بل أيضًا للمشاركة بالمعارض الدولية وتسويق المنتجات للخارج.

ما يحدث مع هذه الشركات الناشئة أو حتى حاضنات الأعمال يقول ابو حيدر، هو أنه ليس هناك دعم مباشر من الوزارة، ولكن بطريقة غير مباشرة من خلال بعض الحاضنات واتحاد غرف التجارة والصناعة حيث ندعم هذه المؤسسات الصغيرة، وخاصةً الناشئة، عبر إجراء الفحوص المخبرية، فمثلًا في الشمال مختبرات غرفة التجارة تقدم الفحوص مجانًا، كما نساعدهم وندعمهم تقنيّا بتعليمهم مثلًا كيف يقومون وضع العلامات، وكيف يجب أن تكون المكونات. وعندما ذهبنا في السابق إلى دبي وعرضنا منتجات لبنانية، وعندما ذهبنا إلى إكسبو قطر عرضنا كذلك منتجات لبنانية، في محاولة لفتح الأسواق لهذه المنتجات قدر المستطاع، ما وفر حيّزًا كبيرًا جدًّا للمنتج اللبناني في السوق.

ومؤخرًا بدأنا مع بعض المنظمات الدولية، على سبيل المثال لا الحصر UNDP (برنامج الأمم المتحدة للتنمية) في موضوع دعم المرأة، حيث عملنا على موضوع مساواة الجنسين، ونعمل الآن معهم لتطوير التجارة وخاصة لتطوير التصدير وتحفيز الصادرات من خلال المؤسسات الصغيرة الناشئة.