قبل اسابيع قليلة فقط، كانت حظوظ الرئيس الاميركي الحالي جو بايدن بالبقاء في منصبه في البيت الابيض، اكثر من عادلة، وهو لاقى دعم الكثيرين من المشاهير ورجال الاعمال، وجمع الملايين لحملته الانتخابية، ما اقلق مخيّم منافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب الذي كان يواجه ايضاً مشاكل قضائية لا يحسد عليها. فجأة، وفي اسبوع واحد، انقلبت الاوضاع ودارت عجلة الرئاسة بالاتجاه المعاكس، فأظهرت استطلاعات الرأي تقدماً بسيطاً لترامب، واتت المناظرة الرئاسية بين الرجلين بمثابة هدية على طبق من فضة للمرشح الجمهوري كونها اظهرت ضعف الرئيس الحالي، وكانت "قطعة الحلوى" الكبرى قرار المحكمة العليا بتمتع ترامب بالحصانة من الملاحقة على افعال قام بها خلال ولايته الرئاسية.

يعيش بايدن حالياً اسوأ ايامه، فهو لم يستطع تحقيق اي خرق على صعيد السياسة الخارجية، فيما وضعه الداخلي يتدهور بسرعة الى حد تسلل الشك الى الديمقراطيين انفسهم حول وجوب استبداله او الابقاء عليه كمرشح نهائي لمواجهة ترامب. قرار المحكمة العليا اثار استياء الرئيس الحالي الذي كان يراهن على التعويض عن فشله في المواجهة التلفزيونية، بالاحتماء بالقضاء وضمان اقامة جلسات محاكمة قبل موعد الانتخابات، تعيق مسار ترشح منافسه اللدود وتضمن بشكل كبير عدم وصوله الى البيت الابيض. من هنا، خرج الرئيس الاميركي للتعليق على المسألة، وبعد ان فقد الامل من القضاء، لم يعد له من مجال سوى الاحتكام الى الشعب، ودعاه الى اخذ القرار حول السماح لترامب بمعاودة الحكم ام لا.

في الواقع، وضع بادين نفسه في مأزق، فالشعب نفسه الذي يحتكم اليه، منقسم حول نظرته الى رئيسه الحالي، وهو محتار بين محضه الثقة في حين تبدو عليه علامات الضعف الجسدي والفكري، او الجنوح نحو منافسه الجمهوري الذي ذاق على يده حلاوة الوضع الاقتصادي (الى ان تفشى وباء كورونا ونسف كل ما تحقق)، ومرارة العلاقة مع باقي الدول من حلفاء واعداء على حد سواء، والاهم هو التقارب المشكوك بأمره بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي ينظر اليه الاميركيون على انه محيي الاتحاد السوفياتي بحلّته الجديدة والقادر على تقويض احادية الحكم الاميركي للعالم. هذا الانقسام لا يصب في خانة بايدن، ووفق الترجيحات والاستطلاعات، فإن الاميركيين يميلون على ما يبدو للتغاضي عن الوضع الخارجي لصالح تعزيز وتحسين الوضع الداخلي، مع الاخذ في الاعتبار انه على الرغم من كل "جنون" ترامب، فهو لم يدخل في حرب طوال فترة ولايته، وحتى الضربات التي وجهها الى ايران والاهانات التي طالت قادة اوروبا والعالم العربي وباقي الحلفاء، لم تؤدّ الى تدهور دراماتيكي للاوضاع وبقيت الامور مقبولة نسبياً.

اما الخوف الاكبر الذي قد يرجّح كفة بايدن، فهو ما شهدته البلاد في 6 كانون الثاني 2021، ودعم ترامب (حين كان لا يزال في الرئاسة) اقتحام مبنى الكابيتول واثارة الشغب في واقعة لم تشهد الولايات المتحدة الاميركية مثيلاً لها في تاريخها. وعليه، يتخوّف الاميركيون من عودة هذه المشاهد في حال لم يكن ترامب راضياً عن نتائج الانتخابات، او حتى بعد فوزه في الانتخابات، لانه سيسمح لانصاره بالنزول الى الشارع وعرقلة كل ما يعارض افكاره واقتراحاته في حال لم يتم الموافقة عليها. ولكنهم في الوقت نفسه، غير قادرين على فهم السبب الذي دفع الديمقراطيين الى التمسك ببايدن وعدم افساح المجال امام اشخاص آخرين قادرون على مقارعة ترامب واحراجه.

استنجاد بايدن بالشعب، يقابله اغراء" ترامب للشعب نفسه بالتخلص من كل عوائق السنوات الاربع الماضية، واذا ما سارت الامور على ما هي عليه حالياً، فلن يكون هناك من شكوك حول الخطوات التي سيتخذها الشعب، والتي ستعيد ترامب الى السلطة مع كل ما يعنيه ذلك من مخاطر داخلية وخارجية.