بالرغم من الأزمة التي تعيشها البلاد في السنوات الخمس الأخيرة على مختلف الأصعدة، تمكن قطاع الصناعة في لبنان من تحويل هذه المحنة إلى منحة من خلال العمل على خلق خطوط إنتاج جديدة وتعزيز قطاعات إنتاجية موجودة مثل الصناعات الغذائية والدوائية والمنظفات ومواد التجميل والألبسة… ليكون المنتج اللبناني مضاهيًا للمنتجات الأجنبية بالجودة ومنافسًا لها بالسعر، بما يتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن اللبناني. وهكذا بدأ اللبنانيون اليوم يلاحظون وجود المنتجات اللبنانية وانتشارها في الأسواق. هذا الأمر عزز نسبة مساهمة قطاع الصناعة من إجمالي الناتج المحلي.

ضمن هذا الإطار كان لـ"النشرة" لقاء مع وزير الصناعة جورج بوشكيان الذي استهل حديثه بالكلام عن موضوع الدعوة إلى مقاطعة منتجات معينة، فأوضح أنّ لها عدة أوجه، لكن كل أمر نريد القيام به يجب أن نفكر فيه ونرى معطياته، وما مدى تأثيره من عدمه. من هذه الناحية بالنسبة لكل منتج يُصنّع في لبنان، يبلغ فقط ١٠ بالمئة من سعره بصفته مواد أولية، وهذه النسبة لا تقدم ولا تؤخر، لا بل على العكس المقاطعة تضرّ باليد العاملة اللبنانية وبمصانع عريقة تبلغ من العمر ٧٠ أو حتى ٨٠ سنة في لبنان، وكل مصنع يشغّل معه ١٦ قطاعًا. لذا يجب دائمًا أن ننظر إلى إيجابيات الأمور التي نقوم بها وإلى سلبياتها، ولا نتصرف بعاطفية.

وتابع بوشكيان بالقول إن الصناعة اللبنانية اليوم تعتمد على مصانع ناشئة وأصبحت المحفز الأول للاقتصاد اللبناني، ونحن نرى التحسن في الاقتصاد، وتترجم بالأرقام في مصرف لبنان، والصناعة تلعب فيه دورًا أساسيًّا، وتعدّ العمود الفقري للاقتصاد اللبناني. إذ إنّ المنتجات اللبنانية كانت تشكل ١١ إلى ١٧ بالمئة من السوق اللبنانية، أما اليوم فقد بلغت نحو ٦٧ بالمئة، وهذا نشاهده اليوم بأمّ العين في الأسواق، وهذا يعد محفزًا كبيرًا للاقتصاد خاصة في وضعنا الحالي حيث نحتاج إلى الدولار. من ناحية أخرى زدنا التصدير من مليارَي دولار إلى ٤،٢ مليار دولار. وهنا نشير إلى النهضة الصناعية وإلى عدد المصانع الناشئة، إذ إن الحكومة الحالية سعت إلى تحويل الأزمة إلى حلّ على المدى البعيد، وتحويل المحنة إلى منحة، فانتشرت المصانع في كل لبنان. حتى الآن أعطينا تراخيص لنحو ١٣٠٠ مصنع من كل القطاعات، حيث زدنا ثلاثة قطاعات أساسية وارتفع العدد من ٢١ قطاعًا إلى ٢٤، وهذه القطاعات الثلاثة هي:

- قطاع إعادة التدوير الذي أصبح من أهم القطاعات في لبنان، ويتطور بسرعة حتى أننا في خلال ٣ سنوات تقدمنا على دول أخرى، كما أصبحت إعادة التدوير ثقافة في المجتمع اللبناني بتشجيع من السياسات التي اتبعناها،

- قطاع البرمجة الذي يتطور بسرعة والذي يقوم على الشابات والشبان اللبنانيين الذين أبدعوا فيه، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي،

- قطاع الإنتاج السينمائي، ويعود الفضل الكبير فيه للأستاذ صادق الصباح الذي دعم تطوره.

إذن فالصناعة هي بألف خير، والأرقام في ارتفاع، حيث يشكل قطاع الصناعة اليوم ٣٧ إلى ٤١ بالمئة من إجمالي الناتج المحلي. كما هناك زيادة في الاستثمارات في المصانع مثل مصانع الأدوية حيث تشكل اليوم الصناعات الدوائية اللبنانية نحو ٥٥ بالمئة من السوق المحلية، وهي صناعات نفتخر فيها، ونصدرها إلى الخارج. وهناك ٣ استثمارات في مصانع أدوية كبيرة، أحدها في منطقة البقاع وآخر في الجنوب. وهذا يعني أننا في مرحلة النهضة الصناعية.

أيضًا هناك توجه لقدوم استثمارات خارجية إلى لبنان، لكنها تنتظر الوضع السياسي. وهي استثمارات في عدة قطاعات، وهناك مشاريع نعمل عليها مع دول وغرف تجارة أجنبية أوروبية، لإنشاء نوع من شراكة مع دول محددة لإنتاج صناعاتهم هنا في لبنان، وتكون هذه المصانع لمنطقة الشرق الأوسط، وتستفيد من اليد العاملة اللبنانية، ومن موقع لبنان الجغرافي والتواصل اللبناني. وأكثر هذه المصانع هي في قطاع المواد الغذائية، حيث يصبح لعلامات تجارية عالمية مصانع في لبنان، وهذا ما بدأ فعلًا حيث بعض أنواع المواد الغذائية مثل الشوكولا تصنع حاليًّا في لبنان للسوق المحلي.

في ما يخص مشكلات التصدير مع أزمة البحر الأحمر، نحن تجاوزناها وتأقلمنا معها، ولا مشكلة مع المرافئ اللبنانية، لكن الأسعار ارتفعت قليلًا بحكم زيادة تكاليف النقل.

بالنسبة للصناعة في لبنان قبل الأزمة، لقد بذل كل وزراء الصناعة السابقون الكثير من الجهد، أما اليوم فالظرف الاقتصادي جاء مؤاتيًا وساعد وزارة الصناعة، وبحكم كوني آتيًا من القطاع الخاص جربت أن أستغل الوضع وأسلط الضوء على وزارة الصناعة، التي كانت من الوزارات المنسية في ما مضى، ففعّلنا دورها وأعدنا لها صلاحياتها وهنا كان التحدي لأن هذا الأمر واجب وطني من أجل الاستمرار للأجيال القادمة ولنؤسس لاقتصاد منتج، والطريق ما زال طويلًا، ولا نستطيع أن نتوقف، ويجب أن نعمل على تطوير الصناعة وتحفيزها باستمرار. وقد عملنا كثيرًا على المواصفات والمقاييس والمعايير بشكل كبير ولأقصى حدود حتى يصبح مصطلح "صنع في لبنان" علامة فارقة مرادفة للجودة، فما يهمنا ليس فقط الشق المالي والاقتصادي وإنما أيضًا أن يكون المنتج اللبناني بأعلى جودة وبأعلى مواصفات.

كما نتشدد لحماية الصناعة الوطنية بعدم استيراد المنتجات التي تصنع في لبنان، مع أننا نواجه في ذلك محاربة من التجار الذين يجب ألا يحاربوا هذا الأمر لأنه موضوع وطني وأمن وطني. ومن الأمور التي تحفز فيها الدولة اللبنانية الصناعيين هي إعفاء المعدات والمواد الأولية من الضرائب الجمركية.