أشار مفتي الجمهوريّة اللّبنانيّة الشّيخ عبد اللطيف دريان، إلى "أنّنا نعيش في لبنان أيّامًا صعبةً، ونمرّ في فترة شديدة الضّيق والحرج، ونعاني من أزمات متراكمة وكبيرة، ونواجه يوميًّا تحدّيات كبيرة متعدّدة ومتنوّعة، منها الاقتصادي والمالي والأمني والمعيشي والاجتماعي. ونعاني من أزمات متراكمة وكبيرة، أهمّها: عدم انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، بعد مرور عامين على خلو وشغور المنصب".
ولفت، في رسالة وجّهها بمناسبة حلول السّنة الهجريّة الجديدة، إلى "أنّنا ناشدنا ونناشد القوى السّياسيّة وكلّ المعنيّين في إنجاز الاستحقاق الرّئاسي، أن يتحاوروا ويتشاوروا ويقدّموا تنازلات متبادلة لمصلحة وطنهم، وللنّهوض بالدّولة ومؤسّساتها، وإلّا فإنّ الدّمار والخراب سيقضيان على ما تبقّى من هيكل الدّولة الّتي نحرص جميعًا على بقائها والنّهوض بها؛ ليعيش المواطنون بأمن وأمان وسلام في رحاب دولة وطنيّة قويّة عادلة".
وأكّد المفتي دريان أنّ "كلّ يوم نعيشه في ظلّ هذا الوضع المأساوي وتأخير إنجاز الاستحقاق الرّئاسي، سيدفع الوطن والمواطن ثمن هذه الحالة المزرية الّتي نعيشها أمنيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وحتّى أخلاقيًّا"، مبيّنًا أنّ "هذا الأمر مسؤوليّة يتحمّلها المعرقلون لإنجاز الاستحقاق الرّئاسي أمام الله، وأمام اللّبنانيّين الّذين يعانون من الكوارث والأزمات الكبيرة والمتعدّدة".
وذكر أنّ "الدّول العربيّة الشّقيقة والدّول الصّديقة مشكورة تبادر وتتداعى لنصرة ومساندة لبنان، وينبغي أن تتواكب هذه المبادارات من اللّبنانيّين وقياداتهم وقواهم السّياسيّة"، مشدّدًا على أنّ "استمرار التّناكف والتعنّت والعناد والتحدّيات المتبادلة والتصلّب في المواقف، هو أمر خطير ينذر بانهيار الوطن على الجميع، وعندها لا ينفع النّدم. فلنتّقِ الله في وطننا وفي اللّبنانيّين جميعًا، فهم يستحقّون الحياة والسّلامة والأمن والأمان".
كما حذّر من "المتربّصين بالأمن الوطني والاجتماعي، الّذين يروّجون الأضاليل والأكاذيب والتّرهات لإشعال الفتن والتّنازع والتّناحر بين اللّبنانيين. وكفى ساستنا خصومات، عليهم أن يكونوا يدًا وصفًّا واحدًا متمسّكين بالدّستور واتفاق الطائف وبالثّوابت والمصالح العليا وبالوحدة الوطنيّة، في مواجهة الأخطار المحدقة ببلدنا الحبيب لبنان".
وركّز دريان على أنّ "الحكمة مطلوبة الآن، وهي قرينة الشّجاعة، وتعني الإصرار على التّوافق لحفظ المصالح والوطن. إنّ عيشنا المشترك هبة من الله، آزرتنا العناية الإلهيّة في إقامته وتطويره، والاستخفاف به أو تجاوزه تهديد فعلي لما تبقّى من التّماسك والاستمرار والاستقرار".
وأوضح أنّ "في حرب العام 2006 الّتي شنّها العدو الصّهيوني على لبنان، استطعنا البقاء معًا، ومعنا العرب والمجتمع الدولي. ولذلك، نجت البلاد من بلاء كبير. والمشكلات أكبر الآن، كما أنّ التّضامن معنا أقل، لكنّ الأمر لا يخلو من عطف على لبنان، تشهد عليه الزّيارات العربيّة والدّوليّة"، معتبرًا أنّ "هذا الواقع يستدعي تضامنًا داخليًّا بالفعل، تضامن من أجل إنهاء الحرب، تضامن من أجل انتخاب رئيس، وتضامن لوقف تداعيات الانقسام الّذي نشهده في الرّأي العام".
إلى ذلك، جزم أنّ "ما قام ويقوم به العدو الصّهيوني المغتصب لأرض فلسطين العربيّة، ومن عدوان على وطننا لبنان، هو عمل إرهابي بامتياز، لترهيب النّاس في أمنهم وعيشهم"، مشيرًا إلى "أنّنا في دار الفتوى في الجمهوريّة اللّبنانيّة نعتبر أنّ ما يقوم به العدو الصّهيوني قي قرى وبلدات الجنوب اللّبناني الصّامد وفي سائر المناطق اللّبنانيّة من تدمير وقتل وتهجير، هي جرائم حرب موصوفة في حقّ اللّبنانيّين جميعًا، دولةً وشعبًا ومؤسّسات". وأفاد بأنّ "هذا يتطلّب وعيًا وحكمةً ودرايةً في التّعامل مع هذا الأمر الخطير، الّذي تتكشّف معالمه يومًا بعد يوم، تماديًا بالعدوان ليصل إلى المناطق اللّبنانيّة كافّة".
وأضاف دريان: "إنّ صمود الشعب اللبناني حتّى هذه اللّحظة في وجه العدوان اليومي الّذي يمارسه العدو الصّهيوني، منتهكًا القرار الدّولي 1701 الّذي خُرق من قبل هذا العدو منذ صدوره، هذا الانتهاك أعطى البرهان على خطأ الحسابات الّتي راهن عليها الكيان الصّهيوني بانهيار التّماسك الوطني، وشكّل أيضًا مزيدًا من الوحدة والتّضامن بين اللّبنانيّين؛ لمواجهة هذا الاعتداء السافر على لبنان وشعبه".
ونبّه من "أبعاد هذا العدوان الّذي يستهدف هذه الوحدة، لاستدراج لبنان والمنطقة العربيّة كلّها إلى فتنة لا تبقي ولا تذر. فالوحدة الوطنيّة كانت وستبقى القاعدة الأساس في مقاومة الاحتلال والعدوان الصّهيوني".
ولفت إلى "أنّنا نقف بألم شديد أمام ما يجري منذ شهور لأهلنا على أرض غزة وسائر فلسطين من إبادات جماعية ومجازر وقتل وتهجير وأنتهاك لحقوق وكرامة الإنسان، من قبل العدو الصهيوني الذي مارس أبشع الجرائم والمجازر بحق الأطفال والنساء والشيوخ والآمنين، دون وازع من ضمير أو أخلاق أو إنسانية، وفي ظل صمت مريب وأمام أعين العالم كله؛ مدعوما من قوى الاستكبار العالمي".
وأكّد مفتي الجمهورية "أنّنا نعتبر أن القضية الفلسطينية يجب وينبغي أن تبقى قضية العرب والمسلمين الأولى، لأنها قضية حق وعدالة. ونحن في لبنان مع هذه القضية الفلسطينية المحقة والعادلة، ومع حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه المغتصبة، وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل تراب أرض فلسطين، وعاصمتها القدس الشريف".
ووجّه من لبنان "تحية اعتزاز وتضامن مع أبطال الشعب الفلسطيني الصابرين والمقاومين والمرابطين في غزة والمسجد الأقصى وكل المقدسات الإسلامية والمسيحية، وسائر الأراضي الفلسطينية".