تصاعدت حدة الازمة التي عانى منها الرئيس الاميركي الحالي جو بايدن، اثر فشله في المناظرة التلفزيونية التي جمعته ومنافسه الجمهوري على الرئاسة، سلفه دونالد ترامب. ومن المنصف القول ان كل الجهود التي قام بها فريق عمل بايدن، وكل الابداعات والافكار التي خرجوا بها، لم تكن كافية او مرضية للديمقراطيين قبل غيرهم من الشعب الاميركي، حيث تعالت الاصوات بضرورة انسحابه من السباق، وافساح المجال امام مرشح آخر يملك فرصة جدية وجيدة للتغلب على ترامب.

اليوم، بات بايدن امام قرار تاريخي، فإذا احتكم الى المنطق واعلن انسحابه، يكون قد اقرن القول بالفعل من ان وصول منافسه الى الرئاسة سيكون كارثة على الولايات المتحدة الاميركية والعالم ايضاً، وبالتالي يكون قد قام بكل ما عليه للمساهمة في اقناع الاميركيين بما قاله وحذّر منه، والا فسيكون الناخبون امام معضلة حقيقية مفادها ان كلام الرئيس الحالي ليس سوى تهويل ومن باب الدعاية الانتخابية فقط، وعندها، ليس هناك من مانع بالتصويت لترامب والقضاء بشكل تام على حلم الديمقراطيين بالرئاسة وبمجلسي الشيوخ والنواب في مرحلة لاحقة.

ولكن الباب الحقيقي الذي قد يدخل منه بايدن التاريخ الاميركي ويترك اسمه فيه لاجيال من الزمن، هو اذا ما افسح في المجال امام مرشحة نسائيّة بالحلول مكانه (تم ترجيح الاستعانة بميشال اوباما زوجة الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما، او نائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس)، فإذا ما تم هذا الامر هناك فرصة جيدة -وخصوصاً لاوباما- في استقطاب الاصوات الحالية للديمقراطيين ولاؤلئك المترددين القادرين على ترجيح الكفّة في بعض الولايات. وللصدفة، فإن الامرأتين هما من البشرة السوداء، وسيكون الاستفتاء بالتالي بالغ الحساسية والاهمّية، لمعرفة ما اذا كان الاميركيون لا يزالون على تعنّتهم وتشدّدهم حيال عدم وصول امرأة الى الرئاسة (بعد فشل المرشّحة هيلاي كلينتون امام ترامب نفسه عام 2016)، وبالاخصّ اذا كانت هذه المرأة من البشرة السوداء امام منافس يتغنّى بالانتماء الى العرق الابيض، ويشجّع على تبنّي افكار اليمين المتشدد.

العقدة الاساس تكمن اذاً في اقناع بايدن بالتخلي عن استمراره في السباق الرئاسي، وهو قرار لا يمكن لاحد ان يأخذه سوى المعنيّ نفسه، وحتى الآن لا يزال يعارض هذا القرار، ويعتبر انه في كامل قدراته للمواجهة، وهو ليس صحيحاً كما يعلم الجميع. ويراهن الكثيرون على ان تزايد الاصوات داخل الحزب الديمقراطي نفسه التي تدعو بايدن الى افساح المجال امام غيره من الديمقراطيين لضمان منافسة عادلة مع ترامب على الرئاسة ومستقبل الحزب للمرحلة المقبلة، سيؤدّي في نهاية المطاف الى اقناع بايدن بهذا الخيار، وان خيار معركة يبقى افضل بكثير من خسارة الحرب على مدى سنتين على الاقل، او طوال الولاية الرئاسية الجمهورية. اما العقدة الابرز التي قد تواجه الديمقراطيين في حال اقناع بايدن بالتنحي عن حلم تجديد الولاية، فتقضي بالتغلب على حملة الجمهوريين التي ستُظهر الديمقراطيين وكأنهم تلاعبوا بمصير الاميركيين على مدى اربع سنوات عبر ابقاء بايدن في منصب الرئاسة، وهم يعلمون بأنه ليس اهلاً لتولي هذه المهمة وقيادة البلاد. ولكن، وفق ما يظهر، فإنه بامكان الحزب الديمقراطي والمفكرين الذين يساندونه، التخلص من هذا المأزق بفضل خبرتهم، ومن المفيد لهم ان يكون وجه مرشح الامتار الاخيرة مألوفاً لدى الناخبين ومعروفاً من قبلهم ومن دون اي اتهامات او ممسك يمكن ان يؤخذ عليه، لانه سيوفّر الكثير من الوقت والجهد لمحاولة اقناع الشعب الاميركي بتفضيل هذا المرشح على مرشح الجمهوريين. واذا حصل ما حصل، واستقرّ الرأي على اعتماد امرأة سوداء لمنافسة ترامب، فسيكون الاخير امام مشكلة جديدة رافقته خلال منافسته لهيلاري كلينتون، وهي وجوب تفوّقه على امرأة نظراً الى تاريخه السيّء مع النساء من جهة، واقناع الاميركيين بأنّ اتهامه بالعنصرية هو من باب تشويه صورته وليست من مبادئه او معتقداته او افكاره، وعندها على المفكرين الجمهوريين ايجاد حل لهذا المأزق.