هو المَولودُ العامَ 334 قَبلَ المِيلادِ، والشَريدُ في عَواتِيَ البَحرِ الرابِطِ لبنانَ-فينيقيا وَأثينا، والمُعَلِّمُ في أروِقَةِ حاضِرَةِ الحِكمَةِ، تُراهُ كانَ يُدرِكُ أنَّهُ سَيؤَسِّسُ المَذهَبَ الفَلسَفِيَّ إلمِنهُ سَيَبزُغُ أبطالٌ وَمُفَكِّرونَ وَقِدِّيسونَ؟
هو المُتَرَدِّدُ على المَدارِسَ الناهِلَةِ مِن سُقراطَ، وَأَشهَرُ مُعَلِّميها: أُقليِيدُسُ المَيغاريُّ Εὐκλείδης مُرسي الميغارِيَّةِ الغالِبَةِ بالجَدَلِ، وَأَنتيستينيسُ Ἀντισθένης مُؤَسِّسُ الكَلَبِيَّةِ المُبَشِّرَةِ بِـ"اللاأدَرِيَّةِ"، وأريستيبوسُ Ἀρίστιππος مُطلِقُ القَيرَوانَائِيَّةِ المُتَسَيِّدَةِ بالخُيَلاءِ، تُراهُ كانَ يُدرِكُ أنَّهُ سَيَتَعَملَقُ بِنَبذِها مُجتَمِعَةً لِلاكِفايَتِها العَقلِيَّةِ، وَسَيُشَيِّدُ مَدرَسَةَ الخُلُقِ العَظيمِ والقُدوَةِ الأسمى؟
هي أثينا المُضرِبَةُ بِهِ المَثَلَ: "أَضبَطُ مِن زَينونَ"، لَن تَعرُضَ إلَّا عَلَيهِ لَقَبَ "مُوَاطِنَ"... وَسَيَرفُضُهُ إخلاصاً لِإنتِمائِهِ الُلبنانِيِّ-الفينيِقِيِّ، وَتأكيداً لِواجِبِهِ تِجاهَ مَوطِنِهِ الأُمِّ.
هي أثينا سَتَمنَحُهُ عِندَ وَفاتِهِ العامَ 262 قَبلَ الميلادِ، مَثوَىً في بانتِيونِ عُظَمائِها، مُعلىً بِتاجٍ، بِمَرسومٍ جاءَ فيهِ:
"حَيثُ أَنَّ زَينونَ بِن أمَناسِياسَ أقامَ في مَدينَتِنا سِنينَ عَديدَةً لِتَعليمِ الفَلسَفَةِ،
وَحَيثُ إتَّضَحَ أَنَّهُ مِن أهلِ الإستِقامَةِ في الأُمورِ كافَّةً،
وَحَيثُ سارَ في حَياتِهِ كُلِّها بِمُقتَضى الأُصولِ ألكانَ يُعَلِّمُها، وَدأبَ على حَضِّ تَلامِذَتِهِ على لُزومِ الفَضيلَةِ،
فَقَد رأى الشَعبُ مَدحَهُ على رُؤوسِ الأَشهادِ،
وَمنحَهُ تاجاً مِنَ الذَهَبِ إستَحَقَّهُ لِوَرَعِهِ وَإستِقامَتِهِ،
وَتَشيِّيدَ قَبرٍ لَهُ مِن بَيتِ المالِ.
وَرأى الشَعبُ نَقشَ هَذا القَرارِ على عامودَينِ: أَوَّلَهُما بالمَدرَسَةِ الأفلاطونِيَّةِ، والثانيُ بالمَدرَسَةِ الأَرِسطوطاليِسِيَّةِ، فَيَعلَمَ الجَميعُ أنَّ أَبناءَ أثينا يُشَرِّفونَ أربابَ الفَضلِ أَحيَاءً وَأَمواتاً."
زَينونُ. .Zếnôn ho Kitieús Ζήνων ὁ Κιτιεύς
الأَوَلِيَّاتُ الكُلِيَّةُ
إنطَلَقَ في مَدرَسَتِهِ "الرِواقِيَّةِ" مِن عِمادِ أَنَّ الفِكرَ مُتَجانِسٌ، مُتَوَحِّدٌّ لا تَجَزُّؤَ فيهِ، وَمُرتَكِزٌ على ثالوثِيَّةِ أقانيمَ: المَنطِقُ والطَبيعَةُ والأَخلاقُ، مُحَرِّكُها المَعرِفَةُ وأَصلُها الحِسُّ المُؤَدِّيُ لِإنطِباعِ الصورَةِ مِن دونِ تَوَسُّطٍ. بِذَلِكَ هي حَقيقِيَّةٌ لا لُبسَ فيها، فَتَغدوَ داخِلَ النَفسِ تَصديقاً يَليهِ الفَهمُ، وأَخيراً العِلمُ، أرقى أنواعِها.
مِن هُنا تَتاليَ المَعانيَ: هي أَوَلِيَّاتٌ بَشَرِيَّةٌ. عَلَيها يَقومُ صَرحُ العِلمِ، إذ هي كُلِيَّةُ بِداياتٍ-أُسُسٍ لِكُلِّ نَوعٍ مِن أنواعِ المَعرِفَةِ. وَسِعَةُ مَيادينِها تَشمُلُ ما يَتَّصِلُ بالكوَنِ، بِما فيهِ اللهُ وَالإنسانُ. أمَّا المادَّةُ فَ"وجودٌ مُنفَعِلٌ" في الكُلِيَّةِ، يَفَعِّلُها في الأَوَلِيَّاتِ اللهُ: "النارُ المُقَدَّسَةُ." والعالَمُ، كُلِيَّةُ الأَوَلِيَّاتِ، "إلَهِيٌّ بالنارِ، العِلَّةُ الأُولى وَالوَحيدَةُ، بِما فيها مِن عَقلٍ وَضَرورَةٍ، مُتَرادِفاتُ المَعقولِيَّةِ التامَّةِ."
أيَكونُ العالَمُ أيضاً وِحدَةً؟ لِزَينونَ الفينيقِيِّ-الُلبنانِيِّ "هو العَقلُ المُنبَثُّ في الكَونِ، بِتَضافُرٍ والنَفسِ السارِيَةِ في أوَلِيَّاتِ كُلِيَّتِهِ، المُثَبِّتَةِ تَماسُكَهُ." وأكثَرُ، "العالَمُ جَوهَرُ اللهِ بالقَدرِ عَينِهِ الذي اللهُ جَوهَرُ العالَمِ." وَعَلَيهِ فَ "اللهُ لَيسَ المَبدَأَ الخالِقَ لِلعالَمِ فَحَسبَ، بَل العالَمَ نَفسَهُ". الوِحدَةُ وَالكِثرَةُ في آنٍ. و"الحِكمَةُ الإلَهِيَّةُ تَكونُ بالوِفاقِ مَعَ الطَبيعَةِ، ما دامَ الإنسانُ جِزءاً مِن كُلٍّ. قَبَساً مِنَ النارِ الإلَهِيَّةِ".
ها مَرقُسُ-أوريليوسُ إمبَراطورُ روما الأكبَرُ، "الفَيلَسوفُ-على-العَرشِ" لإعتِناقِهِ مَذهَبَ زَينونَ تَسَيُّداً، يوصي: "كُن رأسَ الأرضِ في البَحرِ: عَلَيهِ، تَتَكَسَّرُ الأمواجُ بِلا إنقِطاعٍ، وَهو قائِمٌ ثابِتٌ حَتَّى يَفتَرَّ مِن حَولِهِ جَيَشانُ المِياهِ. أتَقولُ: ما أتعَسَ حالِيَ إذ أصابَني هَذا! بَل: ...ما حَطَّمَني الحاضِرُ وَما أخافَني المُستَقبَلُ".
زَينونُ-الشَذَراتُ-الخالِدَةُ في صَيرورَةِ الإكتِمالِ.
أمامَ قَبرِهِ، رَثاهُ أنتيباتروسُ الصَيدونِيُّ: "هُنا يَرقُدُ زَينونُ-الحَكيمُ مَن إتَّجَهَ الى السَماءِ. لم يَقُم جَبَلاً فَوقَ جَبَلٍ، وَلَم يُنجِز أعمالَ هِرَقلَ لِيَبلُغَ النُجومَ... طَريقُ الفَضيلَةِ كِفايَتُهُ".
هوَذا لبنانُ!.