أكدت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، أن أبناء عين الحلوة تنفسوا الصعداء بعد القطوع الأمني الذي تمثل باغتيال أحد عناصر حركة "فتح" ياسين عقل من قبل أحد الناشطين الإسلاميين... لكن المخيم لم يتجاوز مرحلة الخطر بعد، إذ تراوحت عملية تسليم المتهم بالقتل إلى السلطات اللبنانية مكانها، رغم الإجماع الفلسطيني على ذلك، ووسط خشية من اهتزاز الاستقرار عند أي حدث جديد.

ودلت الاجتماعات السياسية اللبنانية والفلسطينية المتوالية، التي عقدت على مدى الأيام القليلة الماضية، على أن الوضع الأمني ما زال هشًّا، ويتطلب الحفاظ على استقراره وفق مسؤولية مشتركة بين مختلف القوى الفلسطينية، وعلى قاعدة أن التوقيت دقيق بل خطير، ولا يتحمل أي توتير جديد سواء في المخيم أو مدينة صيدا وفي لبنان.

وتؤكد المصادر، أن كل المعالجات تدور في حلقة مفرغة طالما لم يتم تسليم المتهمين بالقتل، وتتساءل عن الأسباب الحقيقية التي تمنع ذلك سيما وأن "خارطة طريق" واضحة طالما اتفقت القوى الفلسطينية سابقا على رفع الغطاء السياسي عن كل مخلّ بالأمن ومرتكب جريمة إلى السلطات اللبنانية مهما كان انتماؤه، وطالما توجد "قوة مشتركة" تنخرط فيها مختلف الأطياف.

وحذرت المصادر من إعادة خلط الأوراق على ضوء التطورات الجارية في فلسطين سواء في الضفة الغربية أو غزة، وعلى ضوء المفاوضات الجديدة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وبلسمة جراح الناس بعد تسعة أشهر على العدوان الإسرائيلي، ناهيك عن ارتفاع وتيرة التصعيد العسكري على الجبهة الجنوبية وتهديدات المسؤولين الإسرائيليين بشن عدوان واسع.

في الأروقة الفلسطينية، وعند كل حدث أمني وخاصة عملية اغتيال، تعود إلى الشارع الفلسطيني مخاوف السقوط في مستنقع الإقتتال الداخلي الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى فرض واقع جديد لجهة النزوح أو الفرز السياسي أو تكريس المربعات الأمنية، وصولا إلى تسليط الاضواء على السلاح وجدواه، وصولا إلى المخاوف من تصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة الذي نص عليه القرار الدولي 194، على اعتبار أن المخيم هو عاصمة الشتات الفلسطيني ويمثل رمزية معنوية لهذا الحق والعودة إلى فلسطين، وأبناؤه يتحملون مرارة النكبة ومعاناة اللجوء منذ سبعة عقود ونيف، على أمل تحقيق حلم أجدادهم وآبائهم بالعودة.

ومخاوف اللاجئين في مخيمات لبنان من شطب حق العودة يعود إلى تجارب سابقة في تدمير المخيمات أو تهجير أبنائها سواء في لبنان أو دول الشتات، بدءا من العراق حيث تلاشى اللاجئون أمام أهوال أحداثها الأمنية وتفرقوا في المنافي مجددا، مرورا بأحداث ليبيا اذ لم يبق للوجود الفلسطيني أي ثقل، وصولا إلى سوريا وتدمير مخيم اليرموك حيث يبدو إعادة إعماره والعودة إليه اليوم صعبا، فيما نهر البارد في شمال لبنان ما زال ماثلا في ذاكرتهم الحية.

ميدانيا، أزالت حركة "فتح" كل مظاهر الاستنفار العسكري وأعادت فتح الطرقات ورفع الشوادر وبعض الدشم في المخيم وعادت الحياة إلى طبيعتها على مضض، فيما واصل الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري النائب الدكتور أسامة سعد جهوده مع القوى الفلسطينية الوطنية منها والإسلامية من أجل إحباط أي محاولة لجر المخيم إلى أتون الصراع الداخلي في وقت دقيق وحساس في لبنان والمنطقة.

وأوضح أمين سر حركة "فتح" في منطقة صيدا اللواء ماهر شبايطة لـ"النشرة"، أن الاجتماع كان بمثابة تحميل القوى الفلسطينية مسؤوليتها في معالجة التوتر الأمني، وقد طرحت تساؤلات كبيرة حول عدم النجاح في تطويق ذيوله طالما هناك إجماع فلسطيني سابق على تسليم أي مخل بالأمن من جهة، وطالما هناك قوة مشتركة من جهة أخرى.

وأكد شبايطة، أن حركة "فتح" حريصة كل الحرص على أمن واستقرار المخيم وقد أثبتت التجارب ذلك، وقد تجاوبت مع كل مساع التهدئة، ولكنها تصر على تسليم القاتل إلى السلطات اللبنانية، لأن ما يجري هو إعدامات وليست اغتيالات، وبالتالي يجب أن ينال المتهمون بالقتل عقابهم العادل، سيما وأن هناك إجماع على تسليم أي مرتكب.

ورأى شبايطة، أن عدم المحاسبة وتسليم المتهمين شجع على تكرار عمليات الإغتيالات، كاشفا أن القوى الفلسطينية اتفقت على سلسلة لقاءات مفتوحة، تجري فيها مشاورات صريحة، من أجل التوصل إلى حل يجنب المخيم أي صعيد عبر تسليم القتلة إلى العدالة اللبنانية.

أبرز الاغتيالات

يوم الإثنين 24 حزيران 2024، مقتل العنصر في الأمن الوطني الفلسطيني الشاب ياسين عقل، على يد الناشط الإسلامي محمد جمال حمد، وعقدت القيادة السياسية للقوى الوطنية والإسلامية في منطقة صيدا اجتماعا طارئا واتخذت قرارا بالتسليم.

يوم الجمعة في 26 نيسان 2024 مقتل العنصر في حركة فتح عبد الباسط سرحان في أحد أزقة سوق الخضار على يد شخصين من عائلة عوض وفق ما وثقت كاميرا مراقبة موجودة في المكان، وجرت اتصالات لتطويق ذيول الجريمة وتسليم مطلقي النار إلى الدولة اللبنانية ولكن ذلك لم يحدث.

يوم الأحد في 30 تموز 2023، اغتيال قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا اللواء أبو أشرف العرموشي ومرافقيه، في موقف "أبو علول" في الشارع الفوقاني، ووقعت اشتباكات دامية بين حركة "فتح" و"تجمع الشباب المسلم"، خلصت إلى أكثر من 30 قتيلا و225 جريحا وأضرارا مادية جسيمة.

يوم الاربعاء 1 آذار 2023، قتل أحد عناصر حركة "فتح" محمود زبيدات، على يد الناشط الإسلامي خالد جمال علاء الدين الملقب بـالخميني، وسادت حالة من التوتر المخيّم قبل أن تقوم "عصبة الأنصار الإسلامية" بتسليمه الى الدولة اللبنانية بعد عدة أيام.