أوبتيموم، الشركة التي تدور حولها العديد من الأخبار والسرديات، وأرقام تتأرجح بين مليارات الدولارات وبين مئات الملايين منها، لتنتهي أحيانًا عند مئات الآلاف. أرقام وحسابات واستنتاجات وأوراق تُسرّب على وسائل التواصل الاجتماعي وللإعلام. قد يكون الرأي العام رأس الحربة بالضغط على السلطات القضائية وسواها للوصول إلى الحقيقة، لكن البعض بين ليلة وضحاها تحول إلى مضارب على الحق والحقيقة. حتى القضاء بتسريباته ساهم بتمييع القضية وإحقاق الحق.

إذن فالشعبوية دخلت على خط متابعة الملف، وبينما كان مصرف لبنان بإدارته الجديدة يزوّد القاضية غادة عون بكل المستندات المطلوبة حول العمليات التي جرت خلال مرحلة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، كانت تخرج أبواق تشوش على آليات العمل الدقيقة بمعالجة هذا الملف. وترمي أرقامًا وصلت إلى حدّ الادعاء بأن الشركة تلقت عمولات وصلت إلى 8 مليار دولار أخذتها أوبتيموم نتيجة لهذه الهندسات المالية التي قامت بها مع رياض سلامة. كما وبناءً على معلومات قضائية اطلعنا عليها، علمنا أن شركة أوبتيموم كانت أيضًا تتعاون مع القضاء.

وقد أطلع مصدرٌ مطلع "النشرة" على كامل ملف أوبتيموم، وصوّب على بعض النقاط، وأهمها على حد قوله وأولها تتعلق بالتدقيق بالعمليات التي قامت بها الشركة مع مصرف لبنان؛ فبعد ما أثير حول أوبتيموم، توجهت الأخيرة إلى شركة كرول (والتي هي من أهم شركات التدقيق الجنائي في العالم) طالبة إجراء تدقيق جنائي شامل حول العمليات التي أجرتها أوبتيموم مع مصرف لبنان، وقد بدأت كرول مهمتها في أيلول في جميع العمليات والمعاملات التي حصلت منذ العام 2014، وأجرت بحسب المصدر تدقيقًا شاملًا، واطلعت على كامل، السجلات المالية وفي جميع العمليات التي حصلت بين أوبتيموم ومصرف لبنان. وصدر تقرير كرول في تشرين الثاني من العام نفسه، ونشر على موقع أوبتيموم إنفيست.

أبرز ما ورد في تقرير كرول هي الجملة التي يستند إليها المصدر المطلع على ملف كرول، وهي التالية:

"لم يجد التدقيق الجنائي لشركة Kroll أي دليل على ارتكاب مخالفات أو أنشطة غير قانونية من قبل OI… جميع الخدمات التي قدمتها OI لمصرف لبنان كانت ضمن اختصاصها، ونُفِّذت بموجب طلب وبشروط حددها مصرف لبنان".

“The Kroll forensic audit found no evidence of wrongdoing or illegality on the part of OI. All services rendered by OI to BDL were within the competence of OI and conducted at arm's length, at the request of the BDL and on terms stipulated by the BDL.”

وحول طبيعة العمليات التي حصلت مع المصرف المركزي، يؤكد المصدر أن ما من مانع قانوني لإجراء هذه العمليات مع المصرف المركزي، والتي تمثلت ببيع سندات الخزينة وشرائها مقابل عمولة للشركة، ولا شأن للشركة بما سيستخدم المصرف المركزي أو الغاية التي قام بهذه العملية لأجلها.

بالتأكيد إن ما قام به سلامة هو أقرب للبهلوانات المحاسبية لإطفاء الخسائر التي منيت بها ميزانية المركزي آنذاك. وطبعًا محاسبيًّا، لا صحة لما قام به المصرف المركزي. أما عن دور الشركة، فعند استيضاحنا عن هذه النقطة وعن حجم العمليات التي قامت بها مع المصرف المركزي، فقد فصّل المصدر العملية كالآتي:

تضمنت العمليات الخاصة عمليات شراء وبيع فورية متتالية لسندات الخزينة اللبنانية بالليرة اللبنانية (فقط وليس بالعملة الاجنبية بين شركة (Optimum Invest OI) ومصرف لبنان. واستندت هذه العمليات إلى قرارات المجلس المركزي لمصرف لبنان، ووُثِّقَت في عقود وقعها حاكم المصرف المركزي رياض سلامة تبعًا لقرار المجلس المركزي.

وتتمثل العملية بالآتي:

منح مصرف لبنان قرضًا لأوبتيموم إنفست لتمويل شراء سندات مالية من مصرف لبنان مباشرةً. وفقًا لشروط العقد، تقوم أوبتيموم بحسم قيمة السندات المالية (أي، حساب قيمة كل الدخل المستقبلي الذي سيُدفَع على حساب السندات المالية على أساس القيمة في الوقت الحالي - Discounting of securities refers to the process of calculating the present value of future cash flows or income streams that a security is expected to generate)، ثم تبيعها فورًا إلى مصرف لبنان بسعر الشراء نفسه، وتستخدم عائدات البيع لسداد القرض الذي منحه مصرف لبنان. وقد سُدِّدت القيمة الناتجة عن الحسم إلى مصرف لبنان تحت اسم "عمولة" كما سُمّيت بالعقد، علمًا أنها بالحقيقة "قيمة الحسم على السندات المالية". نُفّذت جميع جوانب هذه العملية في الوقت نفسه.

والمجموع العام لهذه العمليات هو بالليرة اللبنانية، وبإجمالي مبلغ 12 تريليون ليرة بحسب المصدر.

وقد حصلت العمليات بين كانون الثاني 2015 وآذار 2018، مجموع ما تقاضته أوبتيموم هو بمثابة مبلغ وساطة دفع بالليرة اللبنانية، وقدره نحو 861 مليون ليرة لبنانية من 45 عملية) أي بمتوسط 19 مليون ليرة لبنانية لكل عملية.

إذن فكل ما أشيع عن 8 مليار دولار عمولات هو رقم لا يمت للحقيقة بصلة بحسب المصدر، وهو إجمالي العمليات التي حصلت دفتريًّا مع مصرف لبنان، أي أنه لم يخرج أي دولار واحد من المصرف بهذا المبلغ، وكل العملية حصلت بالليرة اللبنانية.

وعن الإطار التنظيمي للشركة وخضوعها لرقابة مصرف لبنان وسائر الأجهزة الرقابية كلجنة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية، ووفقا لموقع هيئة السوق المالية، فإن الشركة مرخصة للقيام بأنشطة التداول (كأصيل ووكيل ومتعهد تغطية)، وأنشطة الإدارة (صناديق الاستثمار والمحفظة التقديرية)، وأنشطة ترتيب، وأنشطة الاستشارة وأنشطة الحفظ… وتؤكد المصادر أنها مؤسسة مالية كاملة مملوكة منذ العام 2021 من قبل "لي بنك ش.م.ل" (LIBANK SAL)، أنشطتها حاليًّا مع البنوك والمؤسسات المالية اللبنانية والأجنبية منذ سنة 2020 باتت معظم أعمال الشركة تتم مع فرقاء من خارج لبنان.

تبقى المسؤولية اليوم على عاتق القضاء للبت بصحة هذا الملفّ، بعيدًا عن الشعبويات والتصريحات غير المهنية وغير المسؤولة.