شكلت نتائج الدورة الثانية من الإنتخابات التشريعيّة الفرنسيّة مفاجأة من العيار الثقيل، بعد أن نال تحالف اليسار، "الجبهة الشعبيّة الوطنية"، أعلى الأصوات ليليه "معا"، الذي ينتمي إلى معسكر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ويحلّ حزب "التجمع الوطني"، أو اليمين المتطرّف في المرتبة الثالثة، بعد أن كان فائزاً في الدورة الأولى.

اللافت في نتائج الدورة الثانية، أن أياً من الكتل الثلاثة لم يستطع نيل غالبية الأصوات في المجلس النيابي والتي تصل إلى 289 صوتاً، إذ نال تحالف اليسار بالحد الأقصى 215 مقعداً، أما حزب ماكرون "معا" فنال 180 مقعداً، وأخيراً اليمين المتطرف نال 155 مقعداً. هذا المشهد حتماً لم تشهده فرنسا من قبل، والسؤال هنا "كيف ستحُكم فرنسا في المرحلة المقبلة في ظلّ هذا المشهد الضوضائي"؟.

ردّة فعل

"في الدورة الأولى، اليمين المتطرّف فاز بالطليعة وبأغلبية 80% من الأصوات تقريباً في الدوائر الفرنسية، وهذا الأمر خلف ردّة فعل لدى اليسار وحزب ماكرون". ويشرح عميد الكلية الأميركية لادارة الاعمال في باريس فادي فاضل أنه "جرى تحالف بين حزب اليسار وحزب ماكرون، وفي أماكن تم إنسحاب اليسار لصالح حزب ماكرون والعكس صحيح"، مشيراً إلى أن "نتائج الدورة الأولى خلقت ردّة فعل لدى الفرنسيين، بشكل أنهم لا يريدون وصول اليمين المتطرف إلى الحكم، وساعد في فوز اليسار بنتائج الدورة الثانية".

قراءة في الارقام

بدورها المحاضرة في جامعة السوربون في باريس ماريا دوس ترى، عبر "النشرة"، أن "النتائج في مجملها جاءت مفاجِئة، ولكن إذا غصنا في عمق النظام الإنتخابي وفي قراءة دقيقة أكثر للنتائج، نرى أن النظام الإنتخابي يفرض على كل مرشح أن يحصل على أغلبية مطلقة بكل دائرة"، مشيرةً إلى أنه "وإذا تعمقنا أكثر نرى أن "التجمع الوطني" أو اليمين المتطرّف حصل على 10 مليون من الأصوات، مقابل حصول اليسار على 7 مليون صوتاً، ولكن حكماً هذا لا ينعكس في عدد المقاعد في المجلس النيابي".

حتى الآن لا أحد يعرف أو يُمكن أن يتكهّن كيف ستُحكم فرنسا، خصوصاً وأن الجميع لا يزالون بعيدين عن الأغلبية المطلقة التي هي 289 صوتاً، في حين أنه في الإنتخابات الماضية نال حزب ماكرون 260 مقعداً، وحصل على الأغلبية من التحالفات بحسب القوانين، اليوم حزب ماكرون يحتاج إلى 100 مقعد تقريباً ليحكم، وبالتالي هناك تساؤلات حول شكل التحالفات المقبلة؟.

ضبابية التحالفات

"ببساطة شكل التحالفات غير واضح"، وتشير دوس إلى أنه "لا يوجد مدى من الزمن ليختار الرئيس من سيكون رئيس الوزراء ليحكم، ويمكن أن يمدّد ماكرون فترة حكم غبريال آتال لشهر بسبب الألعاب الأولمبيّة"، لافتة إلى أن "الرئيس الفرنسي أوقع نفسه في مأزق كونه تحالف مع اليسار، وشكّل ما يسمى الجبهة الشعبيّة لمواجهة اليمين، وبعدها وأثناء الحملة الإنتخابية إتّهم اليسار، ولا سيما "فرنسا الأبيّة" بمعاداة السامية".

أما فاضل، فيرى أنه "لتشكيل حكومة يجب أن يكون هناك أغلبية تعطيها الثقة، وإذا لم تحصل عليها فعلى الأقلّ ألاّ يتم التصويت لاسقاط الحكومة، وألاّ يكون هناك تحدياً للنظام البرلماني"، معتبراً أنه "في الشقّ السياسي، يمكن القول إننا دخلنا في المجهول ولا أحد يمكن أن يتكهّن كيف ستكون التحالفات لتشكيل الحكومة".

المرحلة المقبلة

ويلفت فاضل إلى أن "ما بعد النتائج فإن حكومة غابريال آتال ستستقيل"، متوقعاً أن "يطلب ماكرون منه الاستمرار بتصريف الأعمال، إلى حين الانتهاء من الألعاب الأولمبيّة التي تجري في فرنسا". بينما تعتبر دوس أن "الوضع الحالي في البرلمان الفرنسي لم تشهده فرنسا من قبل، والأعراف تقول انه سيتم التفاهم مع الأكثرية العددية أو الأغلبيّة النسبيّة لاختيار الحكومة، ويعتمد أيضاً على تفاهم مع بعض الأحزاب إذا كانت الأكثريّة منها"، وتضيف: "هذا عرف فهل سيقوم به ماكرون، خصوصا وأنه قال إنه لن يتعاون مع حزب فرنسا الابية"؟.

في المحصّلة، حين حلّ ماكرون مجلس النواب كان يظن أنه سيحصل على أغلبيّة أكبر من التي حصل عليها سابقاً، وجاءت النتيجة مفاجئة وأدّت إلى خسارة حزبه أكثر من مئة مقعد... السؤال هنا: "من سيحكم فرنسا في ظلّ عدم وجود أغلبية مطلقة لأحد؟ المحطّة المقبلة في 18 تموز تاريخ اجتماع البرلمان لاختيار رئيس قد ينتج فكرة"...