تسعة أشهر والحرب الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان لم تتوقف، أكثر من 100 ألف نازح من قرى الشريط الحدودي اللبناني تركوا منازلهم ولجأوا إلى مراكز النزوح، أو لمنازل استأجروها في مناطق داخلية لحين الانتهاء من هذه الحرب.
لكن المفارقة في هذه الحرب غياب الدولة شبه التام عن معاناة هؤلاء الجنوبيين، حيث لوحظ أن مساعدات الدولة حضرت أول أيام النزوح، ومنذ الشهر الثاني غابت إلى غير رجعة، فهل هذا الغياب سببه عجز الدولة المالي أم سياسات التمييز بين اللبنانيين؟ بالنسبة للمتابعين فإن الأمر لا يمكن تصنيفه إلا تحت مسمى تمييز مناطقي، حيث نسمع بين الحين والآخر مجاهرة بعض السياسيين بمنع تقديم أية مساعدات للمتضررين بذريعة أن من دخل هذه الحرب ليست الدولة وإنما فريق المقاومة في لبنان.
لو سلمنا جدلا أن هذه الحجة مقنعة، لكن هل تُسقط لبنانيّة هؤلاء الجنوبيين؟ وهل نعتبرهم لاجئين ضمن بلدهم؟ إن كان كذلك فعاملوهم كما يعامل باقي النازحين الوافدين إلى لبنان، حيث استنفرت لهم الوزارات ومعها عشرات الجمعيات اللبنانية والدولية، فأغدقت عليهم المساعدات والمخصّصات الشهرية التي يتقاضونها من المصارف اللبنانية مباشرة.
لم يُقتصر هذا التمييز ضد الجنوبيين على المساعدات العينيّة وغيرها من الأمور الإغاثية، بل تعدّتها إلى الاعتراض على دفع أيّ تعويض عن الأضرار التي لحقت بمنازلهم وممتلكاتهم، حيث تشير التقديرات الأولية إلى تدمير ما يزيد عن 11000 وحدة سكنية، ما يعني أن آلاف العائلات الجنوبية لن تجد مسكنا لها عند توقّف الحرب، الأمر الذي سيضعها أمام ضغوطات ماليّة لحين الانتهاء من أعمال إعادة البناء أو الترميم، لكن كيف سيحصل هذا البناء في ظل أصوات معترضة، والتي تقول إن كل دولار يدفع في الجنوب على الدولة أن تدفع مقابله في مدنٍ أخرى؟ وكأنها مسألة مزايدة ومكايدة مع الجنوبيين.
ركّز جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب وبشكل مدروس ومتعمّد على حرق المساحات الخضراء في الجنوب بالقذائف الفوسفوريّة، فبحسب وزارة البيئة فقد قُصف 170 قذيفة فوسفورية منذ اندلاع الحرب حتى منتصف حزيران الماضي، وأدى ذلك إلى حرق 1698 هكتار من الأراضي الجنوبية، 113 هكتارا من كروم الزيتون، و77 هكتارا من سهول الموز والحمضيات و1152 هكتارا من أحراج السنديان.
منظّمة العفو الدولية كانت قد أكّدت في تقرير نشرته بتاريخ 31-10-2023 أن إسرائيل استخدمت الفوسوفر الأبيض بشكل غير قانوني في حربها على لبنان، فيما قالت "هيومن رايتس ووتش" إن استخدام المادة المذكورة من قبل إسرائيل على نطاق واسع في الجنوب يعرّض المدنيين لخطر جسيم ويساهم في تهجيرهم وفق تقرير نشرته بتاريخ 5 حزيران 2024.
هذا الاستخدام للفوسفور الأبيض وما ينتج عنه من مشاكل صحيّة قد يؤدي للوفاة في بعض الحالات بسبب تأثيراته الجسيمة على الدورة الدموية للإنسان وعلى الرئتين والكلى، ويبقى في التربة لوقت طويل ويتسرب إلى النباتات وخاصة الخضراء منها، وبالتالي ينتقل إلى الإنسان في حال تناولها، كل هذا يضع الجنوبي أمام حالة صعبة بالعودة إلى أرضه، الأمر الذي يدفعنا لدعوة كافة اللبنانيين إلى التضامن معه ولو بالكلمة، وعدم اللجوء إلى لغة التحريض والتفرقة، ولا بد لأجهزة الدولة ومؤسساتها أن تستفيق وأن تدرك أن الحرب الدائرة على الجنوب هي حرب على كل لبنان، وأن الجنوب هو خط الدفاع الأول عن كل الوطن، فلا تخذلوه بحساباتكم السياسية الضيّقة.