تعتبر القضية الفلسطينية منذ نشأة اسرائيل عام 1948 هي قضية العرب الأولى وهي القضية المركزية في الصراع العربي الإسرائيلي، على الرغم من كل الأحداث التي تلت هذه القضية بعد عام 48 حتى يومنا هذا.

لم يستطع أي حدث عربي تغيير هذه الأولوية، بالرغم من الحروب التي وقعت في الداخل القُطْري للدولة او بين الدول العربية، بقيت هذه القضية هي القضية الأهم وقضية إنسانية أخلاقية كبيرة، لكن الدعم الغربي لإسرائيل أوصلنا الى ما وصلنا إليه.

مع النكبة عام 48 ونكسة 1967 وإحتلال أول عاصمة عربية (بيروت) عام 1982 من قبل اليهود، إلَّا أننا نستطيع القول أن العرب لديهم إمكانيات هائلة لكنهم لم يستعملوها ولم يستثمروها في مواجهة هذا الكيان الغاصب.

على صعيد علم ال​سياسة​ والأكاديميا، تعتبر القوة العسكرية لأي دولة هي رمز قوتها وهي معبر حقيقي عن السيادة والمنعة والزود بالدفاع عن الدولة والوطن والحدود إضافة الى الموارد البشرية والمواد الأولية والإمكانيات والقدرات الإقتصادية والذاتية لهذه الدولة.

من هنا نقول أن العرب يتميزون بإمكانيات هائلة، فعلى الصعيد البشري هناك 450 مليون عربي يعيشون في 22 دولة، وهناك أيضاً ما يقارب 5 مليون جندي عربي، هناك مئات الطائرات الحربية، فمصر والجزائر وليبيا وسوريا والعراق كانوا من الدول التي تتمتع بإمكانيات عسكرية هائلة، إلَّا أنه للأسف كل هذه الإمكانيات كانت مُسَخّرة للدفاع عن الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية، وربما في بعض الأحيان ضد بعضها، وفي الواقع كانت للإستعراض لأن كل هذه الإمكانيات لم تستطع الدفاع عن الدول العربية أو استرجاع فلسطين.

يوجد منظمة أميركية بإسم (غلوبال فاير باور) تتحدث عن هذه الإمكانيات عند العرب وتقول أن العرب أكثر من 470 مليون نسمة اي 6 بالمئة من إجمالي سكان العالم، لديهم إمكانيات مادية هائلة وثلث احتياطي العالم من النفط وإستثمارات في كل دول العالم، لكنهم لم يضعوا هذه الإمكانيات في سبيل استرجاع فلسطين، ولا حتى في سبيل التنمية المستدامة و التنمية الإقتصادية والإجتماعية ولا في سبيل تخفيف حدّة الفقر والبطالة والأمّية في العالم العربي، مع العلم أن هناك جامعة الدول العربية التي تأسست عام 1945 وضمّت 22 دولة وضمن ميثاقها معاهدة الدفاع المشترك والتعاون والتكامل الإقتصادي لدول الجامعة الذي تم التوقيع عليه عام 1950 في القاهرة، وهو يتألف من 13 بنداً، وتنص المادة الخامسة على أن اي عدوان على اي دولة موقّعة على البروتوكول يعد عدواناً على باقي الدول العربية، الا ان العرب لم يستطيعوا استعمال هذا البند، ولم يستطيعوا صدّ ايّ عدوان لا في فلسطين ولا في لبنان 1978 و1982 عندما احتلت اسرائيل أول عاصمة عربية.

لذلك نقول أنه لا يوجد عند العرب ما يسمى استراتيجية عسكرية عربية موحدة كما نص الميثاق، وبالتالي ينفق العرب على العسكر آلاف المليارات ولكن ضمن الداخل، فكان الأداء العسكري سيئاً للغاية إبان الحروب مع اسرائيل، باستثناء حرب "أوكتوبر 73" التي اعتبرت حرب تحريك للقضية وليس تحريرا، التي ذهبت بمصر الى إمضاء اتفاقية كامب دايفد التي اعتبرت أنها بداية إضعاف العرب حيث أخرجت مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، بالمقابل نرى أن إسرائيل بنت عقيدتها العسكرية على القوة والرعب والردع حتى نشأت المقاومة في لبنان 1974، التي تطورت كثيراً عبر تراكم الحروب ضد اسرائيل حتى وصلت الى درجة تحقيق توازن الردع مع العدو الاسرائيلي، حيث انسحبت القوات الإسرائيلية من لبنان عام 2000 وفشلت في تحقيق اهدافها عام 2006، واليوم نرى ما يحصل في غزة بعد اربعة حروب عليها منذ 2008، نرى أن القوة هي الأساس الذي سيجبر اسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، في وقت فقدت فيه اسرائيل سلاح الرعب والتخويف التي كانت عقيدتها تجاه محيطها العربي.

عطفاً على ما سبق، فإن نجاح المشروع الصهيوني ارتبط بالقوة الإسرائيلية ونظرية الردع، فكانت اسرائيل تضرب بسرعة أي مشروع يتهددها، فهذا المشروع الإسرائيلي استمر بنجاح حتى الان طالما أنه هناك دول عربية مقسمة ومفككة، وعمل الغرب وخاصة أميركا على مشروع إضعاف الجامعة العربية والدول العربية، ومنذ فترة عملوا على تأمين حدود اسرائيل والأمن لها من خلال اتفاقيات أبراهام والتطبيع مع الدول العربية، ورأينا بعد اتفاق السلام مع الاردن ومصر وفلسطين في اوسلو كيف ذهبت المغرب والإمارات و البحرين ودول عربية أخرى للتطبيع، ولو وجدت قوة عربية كبيرة بوجه اسرائيل كان المشروع الصهيوني سيصبح ضعيفاً ومفككاً.

اذا لن يتوحد العرب ولن يشكلوا قوة كبيرة على الأقل داعمة للمقاومة ولغزة وأهلها لن يستطيعوا مواجهة إسرائيل، ولا يمكن للعرب أن يستنجدوا بالغرب وأهل القضية غافلون عما يحصل، إضافة لهذا الأمر، فإن تل أبيب وبالرغم من تطبيعها مع الدول العربية إلَّا أنها لا تحترم القرارات والمواثيق الدولية ولا الإلتزامات مع هذه الدول، وذلك مرده للاستخفاف والاستهزاء الأميركي والإسرائيلي بالعرب، مع العلم أن اسرائيل تلتزم بالقوانين الدبلوماسية مع الدول الغربية الا مع العرب وذلك بسبب استضعافهم وخدمة للمصالح الأميركية والإسرائيلية.

في الختام نرى أن ما ينقص العرب هو الوحدة والموقف، وكذلك ينقص العرب التخطيط الذي عليه ان يرسم معالم المستقبل العربي كما يحصل في كل دول العالم، حيث التكتلات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تقف حاجز حماية لهذه الدول، التي تدافع عن نفسها كالإتحاد الأوروبي والاتحاد الأميركي والاتحاد الأفريقي وغيرهم. المؤسف أن العرب لم يستطيعوا أن يشكلوا هذه القوّة بالرغم من كل الموارد الذاتيّة التي يتمتعون بها، وعليه يأتي دور حركات التحرّر والمقاومة لتصنع المعجزات وتحقق رغبات الشعوب العربية.