وصلت في المدة الأخيرة مستويات الإنتربنك إلى أرقام مرتفعة جدًّا، وهذا الأمر بدأ مع تولي حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري الحاكمية، حيث اعتمد ​سياسة​ نقدية قائمة على تجنب انفلاش الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية في السوق، وبالتالي تفادي المضاربة عليها، وهو ما كان يحدث في حقبة الحاكم السابق رياض سلامة وأدى إلى ما أدى إليه من انهيار لقيمة العملة الوطنيّة مقابل الدولار.

وهنا يطرح السؤال عن سبب ارتفاع مستويات الإنتربك إلى هذه الحدود. أهي حاجة المصارف لليرة لتلبية حاجات عملائها، أم أن هناك تجارة شيكات ما بين المصارف؟.

الباحث المالي والاقتصادي محمد أبو الحسن كان له رأي في هذا الموضوع، فأوضح عبر "النشرة" أنّ الإنتربنك هي مستوى معدل فوائد التسليفات قصيرة الأمد بين المصارف، ويجري الإعلان عنه بشكل يومي تقريبًا. والسبب في هذه الفوائد (overnight) هو الحاجة إلى السيولة بين المصارف لتسديد فجوات نقدية معينة يحتاج إليها المصرف، ما يضطره للجوء إلى سوق الإنتربنك حيث يجري العرض والطلب بين المصارف عبر منصة معينة، ويكون بين تلك التي لديها فائض في السيولة وتلك التي لديها نقص.

عدم توفر السيولة يرفع هذه الفائدة والعكس بالعكس. ومن منطلق قانون العرض والطلب، تتجه غالبًا المصارف للاقتراض سواء من بعضها البعض أم حتى من العملاء.

في حالة لبنان، هناك زيادة على طلب الليرة اللبنانية من المصارف لتلبية حاجاتها من النفقات أو دفع الودائع أو الالتزامات مثل الضرائب والرواتب… لذا تتجه إلى السوق.

في ظل عدم الثقة الحالية بالليرة اللبنانية، اتجهت السوق نحو الدولار، وصارت المعاملات اليومية في ما بين المواطنين مثل الرواتب الشهرية أو تسديد الدفعات… بمعظمها بالدولار، وهذا أيضًا ينطبق حتى على القطاع العام الذي أصبح يتقاضى رواتبه بالدولار. وهكذا فُقِدت الليرة اللبنانية من الأسواق، ولم تعد متوفرة في العروض والدورة النقديّة. من هنا مع عدم توجه المواطنين لإيداع الليرة اللبنانية في المصارف، إضافة إلى تخلصهم منها بسبب الخوف من انهيار العملة، وبسبب عدم دفع الرواتب بها واستخدام العملة الخضراء عوضًا عنها، ومن جهة أخرى الطلب العالي عليها من المصارف لسداد بعض الودائع على أسعار معينة مثل ١٥٠٠٠ ليرة، ازداد الطلب من المصارف على الليرة اللبنانية التي لم تعد متوفرة، وأدّى إلى الارتفاع الصاروخي للفائدة التي وصلت في بعض الأحيان إلى حدود ١٥٠ و١٦٠ بالمئة في السوق اللبنانيّة.

كذلك الإنتربنك هي فوائد قصيرة الأمد تُطرح على آجال مختلفة، مثل الآجال اليومية (overnight) أي من يوم إلى آخر، أو الأسبوعية أو الشهرية حسب ما يرتئي المصرف.

على مستوى آخر، قال أبو الحسن إن سبب صعود الإنتربنك مع عدم توفر الليرة مع جميع الناس، هو تداول الليرة بين مؤسسات الدولة الكبيرة التي تقوم بالجباية بالليرة، وليس هناك من يزوّدها بها، ومن هذه المؤسسات هناك الضمان الاجتماعي الذي يأخذ أرقامًا عالية جدًّا بشكل شهري، والجمارك ومؤسسات جباية الضرائب مثل مصلحة الضريبة على القيمة المضافة، والدوائر العقارية ووزارة المالية… حيث يضطر المواطن إلى الدفع بالليرة اللبنانية بعد صرف الدولار، وهنا يزيد العرض بالدولار والطلب على الليرة اللبنانية، وهذا مؤشر إيجابي لأنّ الوضع إن بقي على هذه الحال على المديين الطويل والقصير، سوف يؤثّر في معادلة سعر الليرة مقابل الدولار، وتحسن وضعها في السوق، وهذا المؤشر الأول الإيجابي لقيامة البلد، مع الخطط الإصلاحية وانتخاب رئيس للجمهورية وخفض التوتر على الحدود… كل هذه العوامل ورغم سوء الوضع، من شأنها إن توفرت الظروف الماكرو-اقتصادية، أن تؤدّي في نهاية المطاف إلى تحسين سعر الصرف والوضع المالي والنقدي والاقتصادي في البلد كله بشكل عام.

إن أعلى معدل وصلت إليه كان ٢٧٥ بالمئة في العام ١٩٩٥. بعدها في العام ٢٠١٠ سجلت أدنى مستوياتها تاريخيًّا وكان ٢,٤١ بالمئة. ثم بدأت بالارتفاع التدريجي منذ آب ٢٠٢٢ إلى أن وصلت إلى مستوياتها الحالية، والسبب هو فقدان الليرة اللبنانية من التداول بين الناس، وحاجة المصارف لها لسداد التزاماتها النقدية.

أما في موضوع الشيكات فأكد أبو الحسن أن ليس هناك ما يدل بالخفاء ولا بالعلن، على أنّ المصارف تشتري شيكات من أيّ نوع. غير أنّه من الممكن أن يكون هناك من الناس من يسدد قروضًا معيّنة ويفعل ذلك، لكن هذا يبقى ضمن السوق السوداء ولا علاقة مباشرة للمصارف به.

من الممكن أيضًا أن نجد مصرفًا يدفع نسبة عالية على الليرة اللبنانية اي نحو ٤٠ بالمئة، وهذا يعود إلى عدم رغبته باللجوء إلى الإنتربنك حيث النسبة هي ما بين ١٥٠ و١٦٠ بالمئة. والسبب كما أسلفنا هو ليس المخاطر بل فقدان الليرة من السوق واعتماد الدولار في معظم تعاملات الناس.