الكلام الذي خرج به الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، كان كعادته، كمن يقاتل على جبهات عدة، ولكن يمكن اخذ العبر والرسائل التي اراد ان يوصلها الى الداخل والخارج على حد سواء. ولم يكن خفياً ان ​اسرائيل​ تؤلم الحزب باستهدافها لقياداته وعناصره، وهو ما لم يخفه نصر الله، الا انه عمل على "تعطيل" مفعوله بالتشديد على العقيدة والايمان بالقضية وتأمين البدلاء لاكمال المواجهة. ولكن، في خضم التهديدات والتحاليل للعديد من المراقبين ومن نرى وجوههم بشكل شبه يومي على شاشات التلفزيون محلياً، فإن الامين العام للحزب اوحى بما لا يقبل الكثير من التأويل، ان الحرب الشاملة مستبعدة لاسباب عدة ذكرها ومن ابرزها ان اسرائيل غير قادرة على شنّ مثل هذه الحرب في ظل الوضع الحالي الذي تتخبط فيه.

يمكن فهم هذا الكلام على انه ضمن اطار الحرب النفسية القائمة والتي بلغت ذروتها بين الحزب واسرائيل، حتى ان الاخيرة عمدت الى تقليد الحزب في سياسة الفيديوهات "التجسسية" فردت على ما حمله "الهدهد" من معلومات ومعطيات وشروحات، ونشرت فيديوهات لما حملته "ألما" من مشاهد لمركز الجماعة الاسلامية في عائشة بكار، في ما اعتبره بعض المتابعين بروحه المرحة اننا بتنا امام احدى حلقات مسلسل الكرتون "غرندايزر" حيث حرب الصحون الطائرة والوحوش الآلية هي المسيطرة.

ولكن، مصادر قريبة من الحزب تؤكد ان ما قاله نصر الله لم يكن ضمن هذا الاطار فقط، بل يستند الى وقائع عملية تكوّنت على مدى الاشهر التسعة الماضية، اضافة الى المفاوضات التي تحصل مع الحزب بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وكان هدفه طمأنة اللبنانيين بأن ما تقوله اسرائيل غير ما تقدر على فعله، فهي ليست بوارد الدخول في مغامرة ميدانية برّية، وبالتالي لا وجود لفرص اندلاع حرب شاملة، من دون استبعاد اتساع رقعة الضربات الجوية بشكل تام، لانها لا تزال مطروحة على الطاولة ولو ان مخاطرها كبيرة. وتشرح المصادر نفسها ان سبب خطورة هذا الطرح يكمن في ان اي خطأ في الحسابات من شأنه ان يؤدي الى ما لاتحمد عقباه ولا يتمناه احد، وقد يكون من الصعب تصحيح مثل هذا النوع من الاخطاء والعودة عنه. في غضون ذلك، يبدو ان موقف المسؤولين الاسرائيليين بات اكثر ليونة، واصبح بالامكان الحديث عن تغيير في المواقف يردّه البعض الى اقتناع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو انه حصل على اقصى الضمانات التي بامكانه الحصول عليها، ولا يجب في هذا السياق اغفال ما قاله زعيم المعارضة الاسرائيلية يائير لابيد من ان المعارضة مستعدة لدعم نتنياهو وابقائه في منصبه اذا ما ابرم اتفاق عودة الاسرى الاسرائيليين، وهذا بحد ذاته يشكّل مطلباً اساسياً لرئيس الوزراء عمل من اجله منذ اليوم الاول من عملية "طوفان الاقصى".

ومن المعطيات التي يرى الحزب انها تساهم في دعم كلام نصر الله، اتساع الانشقاق الداخلي الاسرائيلي اضافة الى الضياع الكبير السائد في الولايات المتحدة الاميركية بسبب الانتخابات الرئاسية والتطورات المتسارعة بالنسبة الى موقف الديمقراطيين من تأييد الرئيس الحالي جو بايدن او استبداله، ومشاكل اوروبا التي بدأت في ايطاليا واستكملت في فرنسا وتهدد بالتمدد الى عدد اكبر من الدول... كل هذا، اضافة الى التطورات الميدانية تؤكد، وفق ما يتم نقله عن الحزب، ان الحرب الشاملة بعيدة جداً، ولا مجال لاندلاعها بشكل مدروس، لذلك يجب التخفيف والحذر من اي اخطاء قد ترتكبها اسرائيل، لان "الحزب اثبت انه قادر على ادارة المواجهات باحترافية ومسؤولية كبيرين".