دخلت فرنسا في ازمة سياسية مفتوحة، نتيجة الانتخابات النيابية التي تساوت فيها القوى الفرنسية، من حيث عجز كل فريق عن الحكم بمفرده. واذا كان اليمين المتطرف مُستبعداً عن خريطة السلطة، فإن ما يفعله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون هو محاولة إبعاد اليسار المتطرف عن الحُكم ايضاً، عبر تركيب تحالف يضم حزبه وباقي اليسار المعتدل، يستطيع من خلاله تأمين اغلبية سياسية حاكمة للسنوات الثلاث المقبلة، لغاية حلول موعد الانتخابات الرئاسية عام 2027، او بالحد الادنى تمرير عام يدعو بعده لانتخابات نيابية مبكرة، بحسب ما ينص عليه الدستور الفرنسي.

بجميع الاحوال، ستبقى الأزمة السياسية الفرنسية مفتوحة، رغم امكانية ترجمة مساعي ماكرون بتأليف حكومة، يتنازل فيها رئيس الجمهورية عن مقاعد اساسية، وقد يكون فيها رئيسها او الوزير الاول من اليسار المعتدل، وهو ما يجعل رئيس الحزب الاشتراكي أوليفييه فور يعلن انه مستعد لترؤس الحكومة العتيدة.

لا يبدو هناك امكانية لتأليف حكومة فرنسية من دون تنازلات جوهرية، لجمع تحالف تيار ماكرون "معاً"، مع اليسار المستقل، الجمهوريين، المستقلين، تيارات الوسط. لكن التحالف المركّب المُفترض ان يبصر النور، لن يحل الأزمة، حتى مع تشكيل حكومة تسووية، بسبب تعارض البرامج الاقتصادية تحديداً، وسط تحذيرات من مسار مالي صعب يتحكّم بالمرحلة المقبلة.

بالمحصلة، ستكون فرنسا في عز انشغالها بأوضاعها الداخلية، عدا عن متطلبات الاجندة الأوروبية، وهو ما سيترك اثره على لبنان حالياً ومستقبلاً. قد تحافظ باريس على دورها الشرق أوسطي شكلاً، لكن بالجوهر، هناك ازمة سياسية جدية في جمهوريتها الخامسة، بات يُطرح فيها كلام عن وجوب الانتقال إلى الجمهورية السادسة.

واذا كان الحراك الفرنسي بشأن لبنان متواضعاً في الأشهر الماضية، واقتصر على محاولات المبعوث جان ايف لودريان تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية اللبنانية، فإن لبنان اعتاد على الحضن الفرنسي سابقا، وفي كل العهود الماضية، رغم تغيّر رؤساء فرنسا، وتحديداً من حُكم الرئيس الراحل جاك شيراك عام 1995، إلى عهدي الرئيسين نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، وصولاً إلى ايمانويل ماكرون حالياً.

ولمجرد الانشغال الفرنسي عن الملف اللبناني، يعني ان الدول الاوروبية لن تضع لبنان في اولويات أجنداتها الخارجية، بإعتبار ان لديها ملفات دسمة تتعلق بمصالحها، رغم ان الاهتمام النسبي سيبقى محدوداً بلبنان بسبب وجود عناصر عسكرية أوروبية في عديد قوات الطوارىء الدولية "اليونفيل"، العاملة في جنوب لبنان.

واذا استطاع لبنان التصرف جيداً، ضمن خطة حكومية مدروسة، سيستفيد من ملف النازحين السوريين، لإبقاء ملف لبنان حاضراً في الاجندة الأوروبية، وهو ما جعل دول قبرص واليونان وإيطاليا تعطيه اهتماماً، بسبب القلق من الهجرة النازحين نحو أراضيها.