شهدت بلدة بيصور-عاليه اليوم تتويج المصالحة بين عائلتي ملاعب والعريضي وذلك بعد خلاف دام منذ العام 2017 والذي بدأ بسقوط ضحية مكرم ملاعب نتيجة نزاع. ونظراً لأن مكرم كان مفتشاً في الأمن العام اللبناني، تدخل المدير العام للأمن العام اللبناني آنذاك، اللواء عباس إبراهيم، وزار بيصور مرات عدة لحل النزاع واحتوائه، وتابع القضية مع القضاء المختص وفاعليات المنطقة وفي مقدمتها الوزير السابق غازي العريضي. وبفضل الجهود المبذولة من اللواء إبراهيم والعريضي، تم التوصل إلى المصالحة التي تُوِّجت اليوم في احتفال كبير ببيصور بحضور السيد وليد جنبلاط، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تيمور جنبلاط، ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان.

استهل لقاء المصالحة باصطحاب شيخ العقل سامي ابي المنى والشيخ حسن والوزير العريضي أهالي الجاني لمصافحة أهل المجني عليه، حيث قال ابي المنى خلالها: "... ها نحن نلتقي اليوم في بيصور لدفع السيئة بالحسنة ولنتوّج المساعي الخيّرة بعقد راية الصلح بين الأهل والإخوة، لنطوي صفحةَ الظلم والغضب والانفعال والتخلّي، ونفتحَ صفحةَ العدل والحلم والصفح والتعقّل... فالجبل يستحقُّ وحدتنا وبيصور تستحقّ مثلَ هذه الساعة المباركة ومثلَ هذا الموقفِ الجامع المشرّف، وآلُ ملاعب بما هم عليه من حكمة وتقوى وعلم ورجولة يستحقّون مثلَ هذا الحضورِ المميّز؛ قيادةً سياسية ورئاسةً روحية وأصدقاءَ وأقارب ومحبّين".

وأضاف: "اليوم نحن هنا لنباركَ تلك المساعي الخيّرة ولنشدّ على الأيدي المصافِحة والمصالِحة، ولكي نناشد أبناءَنا في بيصور وفي كل مكان بأن يحتكموا دائماً إلى العقل والقانون قبل وقوع المحذور وألّا يخرجوا عن طريق الحكمة والمعروف... فتصرّفٌ عشوائيٌّ انفعالي قد يُنتج ألماً نفسياً كبيراً، ولحظةُ جهلٍ وغفلة قد تكلّف ساعاتٍ وساعاتٍ من الجهد والتعب لرأب الصّدع والإصلاح... فلتكن هذه المصالحة العائلية خطوةً أخرى مبارَكة على طريق إنجاز المصالحات وجمع الشمل على مستوى الطائفة وعلى مستوى الوطن... وكما ان خيارنا الثابت هو التمسك بالهوية العربية والوطنية والإرث الجهادي لأسلافنا المعروفيين دفاعاً عن الأرض والعرض، كذلك فإن خيارَنا وخيارَ المشايخ والقيادة وخيارَ كلّ المخلصين هو التأكيد على الهوية الروحية التوحيدية للطائفة والتماسك الاجتماعي ووحدة الكلمة والموقف. اللهمَّ بارك جمعَنا ومصالحتَنا وافتح لنا الباب لكلّ ما يثمرُ خيراً ويُنتجُ محبةً وإلفة".

من جهته, قال ارسلان: "بعد أسابيع من أيّام العُشُر المباركة وعيد الأضحى المبارك، شاءت الأقدار أن نلتقي وإيّاكم على هذه الأرض المباركة، المباركة بمشايخها وأعيانها وأبنائها ونسائها ورجالها، المباركة بشيبها وشبابها، الذين قدّموا كلّ التضحيات في سبيل لبنان وصمود لبنان، وبقاء الجبل... ما سُمّيت بيصور "أم الشهداء" كجائزة ترضية، فما قدّمته هذه البلدة للوطن، وللجبل، ولمنطقة الغرب والشحار في عاليه، كان كافياً لإطلاق تسمية "أم الشهداء" عليها، والرادارُ يشهد، وعيونها تشهد، فإن سألت عين القَمّيمْ، وعين الضيعة، وعين الشكارة، وعين الكرَيْم، وعين المجد، وعين السُمُر، وعين الوادي وغيرها، تجيبك أنّها كما هي تسقي أبناء بيصور والمنطقة، كذلك هم سقوا أرضها بدمائهم الطاهرة والزكية.... لكي تبقى"... وقال: "هنا اسمحوا لي أن أترحّم على كلّ شهيد سقط من هذه البلدة بعائلاتها كافة وأترحم على رفيق الدربابن بيصور الشيخ صالح فرحان العريضي. واليوم، نلتقي نحن ووليد بيك وجميع الحاضرين معنا في هذه المصالحة الكريمة،لقد آلمنا هذا الحادث الأليم ولكن ما يواسينا ويعزينا هو إعلائكم للغة العقل والحكمة والوحدة، وتحقيقكم لمبدأ التسامح الذي أنتم أهلاً له. إنّ هذه الصفات إن دلت على شيء فتدلّ على أصالتكم وتشبثكم بالعادات والتقاليد والقيم التوحيدية الأصيلة التي هي أساس وحدة وتماسك مجتمعنا التوحيدي. نبارك لكم هذه المصالحة وأبقاكم الله سالمين موحدين على كلمة سواء في مواجهة المصاعب والتحديات. نجتمع اليوم في هذه المرحلة الحسّاسة والمفصلية من تاريخ المنطقة والوطن، ونقول: نحنُ على ما نحنُ عليه، في خطّنا العروبي، وفي قضيتنا الفلسطينية، وفي نهجنا المقاوم، وفي وطنيتنا الراسخة، وفي مسلكنا التوحيدي الشريف، نحنُ على ما نحنُ عليه. وثباتنا في وطنٍ نحن أسّسناه، ونحن حميناه"،

تابع إرسلان: "نحن فديناه، ونفديه كلّ يوم بوجه كلّ عدوٍّ محتلٍّ، وأرضُ التنوخيين هذه تشهد. إخواني جميعاً، لم يكن أبناء طائفتنا الكريمة يوماً، أينما وُجدوا، وفي بلاد الشام خصوصاً، في لبنان، وفي فلسطين، وفي سوريا، وفي الأردن، مشاريع فتنة، أو تقسيم، أو حرس حدود لعدوٍ غاشِمٍ، فأهل التوحيد، هم أهلٌ للوطنية، وأهلٌ للإنتماء القومي الصحيح والشفاف ومشروعهم الوحيد هو حماية هذه الثوابت ولو بالدم من كلّ عدو، معركة المالكية والناصرة بقيادة الأمير مجيد واستقلال لبنان أكبر دليل على هذه المواقف،ورفض المرحوم كمال بك جنبلاط للدولة الدرزية وثورة سلطان باشا الاطرش وصمود أبناء الجولان العربي السوري المحتل، بَوصلة الموحدين الدروز في العالم، ايضاً دليلٌ على ما أقول. وهنا لا أستطيع إلا أن أوجّه من على هذا المنبر... من بيصور أم الشهداء إلى مشايخنا وشيبنا وشبابنا ونسائنا وأطفالنا في الجولان المحتل تحية إجلال وإكبار على مواقفهم الوطنية والقومية المتمسكة بثبات بالهوية العربية السورية"...

وأضاف: "مناشدتي هنا، ومن بيصور لأبناء السويداء أو بالأحرى لقلّة قليلة من أبناء السويداء، لا تراهنوا يوماً على مشروع إنفصالي من هنا أو مشروع إنعزالي من هناك، ولا على مشروع خارجي تعتقدون أنّه يُراد منه خيرٌ لكم... انظروا إلى تاريخكم، وتمعّنوا في محطاته، وخذوا العِبر منه... ضعوا أيديكم بأيدي أبناء الجبل وأبناء الوطن بكل محافظاته لكي تحافظوا على وجودكم ومستقبلكم ومستقبل أولادكم... في كنف الدولة بقيادتها وموسساتها وجيشها".

وتوجه إرسلان لأبناء الجليل أبناء فلسطين المحتلة لعرب الـ 48 قائلا: "وبالأخص منهم المجندين قهراً وهم أكثرية أقول: لا تنخرطوا في جيش الإحتلال ولا تسمحوا له بالفتنة في ما بينكم ولا تواجهوا إخوتكم الفلسطينيين لأنكم شعباً واحداً، واحذروا واحذروا واحذروا المكر والخداع الصهيوني، ومهما طالت حركة التاريخ فإن حرية الشعوب آتية ولو بعد حين، فأنتم خير من ميّز بين الحقّ والباطل، وبين الظالم والمظلوم، كونوا على ثقة بأنّ خياركم إلى جانب إخوتكم في الوطن هو الخيار الصائب، وكل المشاريع الأخرى والكيانات المحتلة إلى زوال أكيد. نحن أيها الإخوة... مشروع الدولة والشرعية والمؤسسات، وخلاصنا بخلاص وطننا، وبوحدتنا، وبانفتاحنا على الآخر وبتقبّلنا له، في بيتنا الداخلي كما في الوطن، نؤمن بالتعددية وبالتنوع وبالإختلاف، لكن من دون الخلاف. وذلك لا يعني أنّنا مؤمنون بما يريده البعض، بأن تُصبح الخيانة وجهة نظر، وبأن تضيع البوصلة، بين العدو والصديق. وهنا لا بد من توجيه التحية إلى المقاومين الأبطال في كلّ الساحات، وفي غزّة والجنوب اللبناني على وجه الخصوص، فمرحلة ما بعد السابع من أكتوبر وعمليّة "طوفان الأقصى" ذكّرت العالم بإجرام العدو وبطشه"،

وأكد أن "عدو الأرض والناس الذي لا يفرّق بين طفل ومسنٍّ وامرأة ورجلٍ، عدوٌّ لا أمل بدحره عن أرضنا إلا بالمقاومة. قلتها منذ عقود، وكرّرتها في أكثر من مناسبة، وقد أكون دفعت في مكان أو آخر ثمن قناعاتي الشخصية، ونهجي الذي ما بدّلته لحظةً، لكن ضميري مرتاح، وجمعتنا اليوم خير دليل على ذلك. قلتها وأكرّر، أبناء الجبل لم يكونوا يوماً ولن يكونوا إلا سنداً في ظهر المقاومة والمقاومين، وحماة الثغور بالأمس هم حماة ظهر المقاومين اليوم، وفي السّلم كما في الحرب، بيوتنا وقلوبنا مفتوحة لهم، وما يصيبهم يصيبنا، والنصر حليفهم وحليفنا بإذن الله". وقال: "أمّا الملف اللبناني الداخلي، فاسمحوا لي بألّا أعلّق، وأن أكتفي بالتأسّف إلى ما وصلت إليه الحالة... من فوضى وفلتان.. وعصفورية بكل ما تحمله الكلمة من معنى... ونتيجة كل ذلك المزيد من الصعوبة في الوضع الإقتصادي والمعيشي على الناس... وسنبقى في كل الظروف إلى جانب الناس وهمومهم ومطالبهم"...

وأنهي كلامه "بالتوجّه إلى أشقائنا في الدول العربية، في الخليج العربي وكل الدول، بأن يوحدوا الموقف من خارج إطار القمم العربية وبياناتها، ويتخذوا قراراً جاداً ومصيرياً يدخلون فيه التاريخ من بابه الواسع، بالضغط الفعلي على الدول العظمى والمؤثرة، للوصول إلى وقف نهائيٍّ للحرب على غزّة وعلى الجنوب اللبناني، تفادياً لما هو أعظم، وحرصاً على استقرار المنطقة، كل المنطقة، ودمتم جميعاً وبيصور ولبنان بألف خير".

وفي الختام، تحدّث جنبلاط قائلاً: "نختم اليوم بمعية الأمير طلال ارسلان وأصحاب السماحة والمشايخ الأفاضل والفعاليات والرفاق في اللقاء الديمقراطي جرحاً أليماً أدمى العائلة الواحدة في بيصور، نختمه من خلال التمسك بالقضاء، والتقاليد والأعراف التي عُرفت بالطائفة المعروفية والتي عندما نطبقها وبالرغم من فداحة الخسارة وفقدان الأحباء تبقى الضمانة من اجل العبور إلى المستقبل. التحية لأهل بيصور، فقد كنتم في طليعة المقاومة الوطنية العربية وصمدتم في وجه مغامرة التقسيم والإنعزال وفتحتم الطريق إلى العروبة وإلى بيروت ولاحقاً طريق المقاومة إلى الإقليم وصيدا والجنوب، تاريخكم ناصع بالتضحيات وأبيض. أضم صوتي إلى صوت الأمير طلال ارسلان والرفيق غازي العريضي ومن بيصور أم الشهداء، نحيي أم الشهداء غزّة".

وخلال الاحتفال، أشاد العريضي بجهود اللواء إبراهيم الذي حضر الاحتفال قائلاً: "ولا ننسى جهد رجل كان في موقع المسؤولية ولا يزال في موقع آخر يقوم بمسؤولية وأمانة. إن مكرم الفقيد كان من أسرة الأمن العام، شكراً للواء عباس إبراهيم. أنت بيننا أخ كريم عزيز كان لك دور أساسي في مساعدتنا في لملمة الأمور في بداياتها، وأمسكت من موقعك المسؤول بهذه القضية كواحد منّا، ونحن نقول لك باسم بلدتنا، وفاءً: شكراً وشكراً وشكراً".