اشار سفير فرنسا في لبنان هيرفي ماغرو خلال مناسبة العيد الوطني الفرنسي في قصر الصنوبر، الى انني "أودّ إذاً أن أوجّه رسالة أمل إلى الشبّان والشابّات، مستقبلكم بين أيديكم، تماماً كمستقبل لبنان. أعيد التأكيد هنا على عزمنا على المساهمة في أن نضع بتصرّفكم أفضل الأدوات لكي يتمكّن بلدكم من إستعادة إزدهاره وإستقراره. بالإضافة إلى التعليم، نحن نحشد جهودنا أيضاً لتحسين الحصول على الخدمات الأساسيّة في مجال الصحّة كما في مجال المياه، لا سيّما لصالح المجموعات الأكثر هشاشة. بشكل إجماليّ، تمّ حشد أكثر من 100 مليون يورو لمصلحة مشاريع في مختلف المناطق، من دون أن ننسى العديد من مشاريع التعاون اللامركزي، ومبادرات الرّعاية التي تقوم بها الشركات، والهبات التي تقدّمها الجمعيّات الفرنسية والمواطنون الفرنسيون. خلال جولاتي الميدانيّة، قمت بزيارة مراكز صحّية ومستشفيات ومحطّات ضخّ ومدارس، وفي كلّ مرّة، تأثّرتُ ودُهشت بمدى إلتزام شركائنا وبجودة المشاريع. وهي مشاريع تستند إلى الأولويّات الوطنيّة اللبنانيّة في إطار حوار متواصل وبنّاء مع السلطات".

ولفت الى أنني "مدرك أيضاً للتحدّيات الإقتصاديّة التي ما زال ينبغي مواجهتها في الوقت الذي وجد فيه العديد من اللبنانيين أنفسهم في وضع هشّ أو غرقوا في الفقر. ففي بعض الأحياء، نرى سيّارات فارهة وصالات خارجيّة مكتظّة في المطاعم ومتاجر لبيع السّلع الفاخرة. قد تدفعنا هذه النظرة السّطحيّة إلى الإعتقاد بأنّ الاقتصاد قد تحسّن ولكنّ الأمر ليس على هذا النحو أبداً، خلافاً لإنطباع شائع على نحو مُستغرب. الأمر ليس على هذا النحو لأن الاقتصاد اللبناني يكتفي بالبقاء على قيد الحياة والفضل بذلك يعود بشكل كبير إلى تحويلات المغتربين التي تدعم الإستهلاك، وإلى ال​سياسة​ الجديدة الأكثر حذراً التي يطبّقها المصرف المركزي اللبناني. الأمر ليس على هذا النحو لأن القطاع المصرفي ما زال متوقّفاً والصادرات ما زالت تتراجع وصيانة البُنى التحتيّة غير ممكنة، وخاصّة لأنّ نصف الشعب يعيش تحت خطّ الفقر. ولكن الجميع يعرفون طريق الإصلاحات التي يجب سلوكها لوضع الاقتصاد اللبناني على السّكّة الصحيحة".

أضاف: "إن فرنسا، ومن دون إنتظار هذه الإصلاحات الضروريّة، تبذل قصارى جهدها لتقديم الدعم لبعض القطاعات المحدّدة التي يمكن تحقيق تقدّم سريع فيها. لقد قدّمنا مجموعة من الدراسات والوثائق المتعلّقة بإستدراج العروض بهدف تسريع وتيرة إعادة التأهيل الكاملة لمرفأ بيروت بالإضافة إلى إستيفائه للمعايير في مجال الأمن والسلامة. ونحن ندرس أيضاً إمكانيّة تقديم حلول تمويليّة للشركات اللبنانيّة الرّسميّة الصغيرة والمتوسّطة الحجم التي تريد أن تنمو على صعيد التصدير إلى الخارج".

واكد في هذا السياق، ان "الإصلاحات الضرورية التي لن أقوم الآن بتعدادها من شأنها أن تبدّل المشهد بسرعة بالإستناد إلى خزّان من المواهب الإستثنائيّة ومجموعة من الشركات الفرنسيّة التي أحيّي في هذا السّياق إلتزامها وقدرتها على الصّمود. فقد بقيت هذه الشركات في زمن السّلم كما في زمن الأزمات لتؤدّي دوراً هامّاً في الدّيناميّات الجديدة التي تشهدها البلاد، لا سيّما في مجال التقنّيّات الجديدة، ممّا يمثّل ثلث الوظائف التي يتمّ خلقها في لبنان، والمخصّصة لمهمّات على الصعيد الدّولي، أي بما يتخطّى بكثير منطقة الشرق الأدنى. يكفي أن ننظر إلى مبادرات الاقتصاد الجديد المبني على التكنولوجيا وظهور الشّركات الناشئة في لبنان، في "منطقة بيروت الرّقميّة" (Beirut Digital District) ومدرسة Ecole 42 التي إفتتحتها شركة CMA CGM. سَترَون فيها طلّاباً ذوي مهارات إستثنائيّة تتخطّى المعدّل الدّولي. هذه أيضاً إحدى أولويّاتي للتحضير للبنان الغد. لن أقوم الآن بتعداد كافّة الإمكانيّات المتوافرة في هذا البلد، من الصناعة إلى الزراعة، والتي تستحقّ أن يتمّ تنفيذ الإستراتيجيّات الملائمة للإستفادة منها. ونحن عازمون على مواكبتها".

وذكر ان "بعد إنقضاء حوالى أربع سنوات على مأساة مرفأ بيروت، لا يسعنا للأسف إلّا أن نلاحظ شلل التحقيقات والمسار القضائي في حين أن الرّغبة في العدالة وفي مكافحة الإفلات من العقاب تبقى قويّة للإصغاء إلى ألم الضحايا ورفض فقدان الذاكرة والبحث عن الحقيقة. إنّ تعافي لبنان سيمرّ لا محالة عبر تجديد النظام القضائي تحت المراقبة اليقظة والمستمرّة من جانب المجتمع المدني وبإحترام مبادئ الحوكمة الديمقراطيّة. هذا هو معنى الإلتزام الفرنسي تجاه إصلاح القضاء في هذا البلد، الذي ينبغي ألّا يغيب عن أنظارنا. ويترافق ذلك مع تعاون ثنائيّ عالي الجودة مع قوى الأمن الداخلي التي أودّ أن أوجّه التحيّة إليها. في هذا السّياق، أودّ أن أذكّر بالجهود المستمرّة التي تبذلها فرنسا من أجل المساهمة في التوصّل إلى مخرج من الأزمة السياسية الراهنة. تعلمون بلا شكّ ما هي الرّوابط التاريخيّة والإنسانيّة والثقافيّة التي تجمعنا بكم. إنّ قوّة هذه الروابط هي التي تفسّر إلتزامنا بمساعدة بلدكم على إيجاد الحلول بهدف بناء مستقبل أكثر إستقراراً وإزدهاراً، بدءاً بإنتخاب رئيس للجمهورية".

واوضح السفير ان "هذا هو هدف إنخراطنا، إلى جانب شركائنا في اللجنة الخماسيّة، للقيام بكلّ ما يسعنا القيام به كَيلا يستمرّ هذا الفراغ. وهذا ما نقوله، مع جان-إيف لودريان، منذ عدّة أشهر: إن إنتخاب رئيس للجمهورية أمر ملحّ، رئيس قادر على أن يباشر، إلى جانب حكومة مكتملة الصلاحيات، بالخطوات الضروريّة للنهوض بالبلاد على الصعيدين الداخلي والإقليمي. إننا نعي تماماً وجود مكامن قلق ومخاوف وصدمات لا يمكن التغاضي عنها، ولكن توجد أيضاً حسابات خطرة لا يمكن القبول بها. إنني على ثقة بقدرة اللبنانيين على تخطّي التحدّيات وتجنّب الأفخاخ. أقول ذلك بصفتي ممثّلاً لفرنسا، صديقة لبنان، وأقول ذلك بكلّ تواضع، لأنه في نهاية المطاف، ينبغي على اللبنانيين أنفسهم أن يتحمّلوا مسؤوليّاتهم وأن يُثبتوا إرادتهم على المضيّ قدماًّ، وبإستطاعتكم الإعتماد على فرنسا. والإلتزام الفرنسي يتبدّى أيضاً من خلال الجهود الديبلوماسيّة الجارية بهدف تجنّب السيناريو الأسوأ في النّزاع الذي يصيب جنوب لبنان. إن هذا الإحتفال بذكرى الرابع عشر من تموز تظلّله للأسف الغيوم الداكنة للحرب التي تمزّقه منذ الثامن من تشرين الأول والتهديد المستمرّ بحدوث تصعيد قاتل قد يمتدّ إلى كافة أراضي لبنان. وفرنسا لا تألو جهداً لنزع فتيل التصعيد وتسهيل التوصّل إلى تسوية عادلة تضمن إستقرار لبنان وسيادته. إلى جانب الشركاء الآخرين، نحن نحمل إقتراحات أتاحت تحديد المقوّمات الكبرى لإتفاق محتمل: التنفيذ الكامل للقرار 1701، تعزيز اليونيفيل وتواجد القوات المسلّحة اللبنانية في جنوب لبنان، وترسيم الحدود البرّيّة بين إسرائيل ولبنان. خلال الأسابيع الأخيرة، كثّفنا تحرّكاتنا الديبلوماسية بإتّجاه مختلف الجهات الفاعلة المعنيّة، لا سيّما في المنطقة، لأننا نتحدّث مع الجميع من دون إستثناء".

وتابع: "إن جهودنا لا تقتصر على لبنان بطبيعة الحال، لأننا نعرف جيداً، للأسف، أنه لا يستطيع الإنفصال كلّيّاً عن النزاعات في محيطه الإقليمي المضطرب. لذلك، إزاء المأساة في غزة، نواصل حشد جهودنا، أوّلاً من أجل التوصّل إلى إتفاق دائم لوقف إطلاق النار، وثانياً من أجل أن يتمّ الإنخراط مجدّداً بمفاوضات تؤدّي إلى قيام دولة فلسطينية قادرة على العيش بسلام وأمان إلى جانب إسرائيل. والإلتزام الفرنسي يتبدّى أيضاً من خلال تواجد 700 جندي فرنسي في إطار القبّعات الزرقاء منذ عام 1978 في جنوب البلاد، وأودّ أن أحيّي العسكريين الذين حضروا لتمثيل قوة الإحتياط التابعة للقائد العام. إن الجنود الفرنسيين يؤدّون بكلّ عزم مهمّاتهم في إطار اليونيفيل، في مراكز أساسيّة في الناقورة، مثل مركز رئيس الأركان والممثّل الوطني. أريد أن أُشيد بإلتزامهم الدائم، على الرّغم من المخاطر والصعوبات، في خدمة السلام".