وسط تحديات غير مسبوقة، تبدأ بالاستهداف السياسي لوكالة "الأونروا" ولا ينتهي بالعجز المالي المتراكم في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة الذي دخل شهره العاشر، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ أيام قليلة (الجمعة 12 تموز 2024) مؤتمر التبرعات المالية الطوعية للوكالة، وذلك في قاعة مجلس الوصاية، بمقر الأمم المتحدة في نيويورك.
المؤتمر الذي تحدث فيه، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس الجمعية العامة دينيس فرانسيس، والمفوض العام لوكالة "الأونروا" فيليب لازاريني ونحو 35 من ممثلي الدول في الأمم المتحدة على مدار أكثر من ثلاث ساعات خلص وفق المراقبين الفلسطينيين إلى سلسلة مواقف أبرزها:
-ما أدلى به فرانسيس حول مستقبل "الأونروا" يعتبر الأخطر على الإطلاق، إذ اعتبرها هي شريان الحياة، وأصبح الآن في خطر شديد. فالنقص الشديد في التمويل، إلى جانب حملة منظمة ضد نزاهته، يهدد أنظمة الدعم الأساسية للوكالة. وعلى الرغم من أن ولايتها تستمر حتى عام 2026، فإن "الأونروا" على وشك الانهيار وقد تتوقف عن العمل في وقت مبكر من هذا العام.
-نتائج المؤتمر المالية جاءت مخيبة للآمال رغم أهمية الالتزام بالدعم المعنوي والسياسي لـ118 دولة والمبادرة التي أطلقها كل من الأردن والكويت وسلوفينيا خلال المؤتمر وعلى شكل التزامات تجاه الوكالة، كان بالإمكان-لو توافرت الإرادة السياسية لتلك الدول، أن تغطي العجز المالي للأونروا واعتماد ميزانية كافية في ظروف مالية هي الأقسى التي تمر بها، لا سيما على مستوى عملها في غزة والضفة الغربية وشرق القدس في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الذي دخل شهره العاشر.
-التأكيد على أن لا بديل عن "الأونروا" وبالتالي ضرورة دعم قيامها بدورها وولايتها على اعتبارها شريان الحياة، وبأن فقدانها سيعرض المنطقة لزعزعة أمنية، فيما كان اللافت أن جميع الدول تدعو إلى دعم الوكالة ماليا وفي النهاية الخروج ببيان دعم معنوي وسياسي دون أن يترجم الدعم ماليا، ما يجعل مصيرها واستمرار عملها في مهب الرياح السياسية، في ظل الحملة الشعواء ضدها من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.
وتؤكد مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، على ضرورة تحويل الدعم السياسي إلى دعم مالي حقيقي، لمعالجة العجز المالي الخطير الذي تعانيه، خصوصًا في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة والضفة والقدس والأوضاع المعيشية الكارثية التي يرزح تحتها اللاجئون الفلسطينيون. مشددة على أن معالجة المشكلة الأساس لا تكون بتقديم أموال بشكل شهري أو إخضاعها لشروط الحيادية على مدار العام من بعض الدول، بل تحتاج إلى إرادة جدية لمعالجة الأزمة المالية بشكل جذري.
وأشارت المصادر إلى أن أرقام العجز المالي لا تساوي شيئاً مقارنة بما يقدم في أماكن أخرى، مشددة على ضرورة حماية "الأونروا" من الترهيب والحرب التي تستهدف دورها وموظّفيها ومراكزها. في وقت أعلن فيه المفوض لازاريني (5 تموز 2024) أن الموارد المالية المتوفرة لدى الوكالة تمكنها من العمل لمدة شهرين، معوّلا على مؤتمر المانحين لاستمرار عملها.
وشددت على أن الدعم المالي لم يرق إلى المستوى المطلوب على الإطلاق لا بل مخيبا للآمال حسب التقديرات الأولية وبناء على ما طلبه لازاريني، إذ قبل انعقاد المؤتمر كانت الأونروا تحتاج لعام 2024 إلى:
-880 مليون دولار للميزانية البرامجية لم تحصل سوى على 56% منها،
-1,21 مليار دولار ميزانية طوارئ لغزة والضفة والقدس، لم تحصل إلا على 16% منها فقط،
-415,4 مليون دولار ميزانية لبرنامج الطوارئ لسوريا والأردن ولبنان ولم تحصل سوى على 15%، وبالتالي الأزمة المالية للوكالة لا تزال صعبة للغاية وستستمر.
إستهداف ممنهج
ويقول مدير الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين علي هويدي، أن نتائج المؤتمر مؤشر واضح على قوة لوبي الاحتلال الإسرائيلي للضغط على الدول المانحة ونزع الإرادة السياسية من تلك الدول للتبرع من جهة، وضعف مواجهة الإستهداف الممنهج الذي تتعرض له الوكالة على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي، بما فيها الأمم المتحدة.
وأضاف هويدي أن هذا سيعرض الوكالة للمزيد من خطر الاستمرارية، وستنعكس وبشكل سلبي على طبيعة الخدمات التي تقدمها لأكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني مسجل، وهذا يحتم أكثر من أي وقت مضى تبني استراتيجية وطنية فلسطينية لحماية الوكالة ومواجهة استهدافها والإنقاذ من الغرق.
وختم " إن "الأونروا" تخضع لموازين القوى في الأمم المتحدة، ولطالما كان التمويل التطوعي سيف مسلط على رقبة الأونروا وعنصر ابتزاز لتطبيق أجندات سياسية تفرضها الحكومات، الدول ليست جمعيات خيرية ولا تقدم وجبات ساخنة وإنما تتبرع وفقا لمصالحها.
دعم مستدام
ويؤكد دائرة وكالة الغوث في "الجبهة الديمقراطية" الباحث فتحي كليب لـ"النشرة"، "كان واضحا ومرئيا للجميع أن مؤتمر التعهدات لن يعالج جذور المشكلة الماليّة التي تعيشها "الأونروا" وازدادت حدّة بعد عملية طوفان الاقصى، وما كان مطلوبا من المؤتمر في الوقت الراهن تحقق جزء هام منه في استدامة عملها وتوفير الدعم السياسي لها".
واعتبر كليب أن السبب الأساس وراء الأزمة المالية هذا العام هو بشكل مباشر قرار الولايات المتحدة الأميركية بوقف التمويل حتى آذار 2025، نتيجة الاتهامات الإسرائيلية الكاذبة لموظفي الوكالة بتأييد أو بالمشاركة في عملية "طوفان الاقصى"، لكن رغم ذلك فإن الدعم السياسي الذي حظيت به "الأونروا" من كافة الدول المشاركة تقريبا يفتح المجال أمام إمكانية معالجة الأزمة المالية، إذا ما توافرت الإرادة على ذلك.
وأشار إلى كلام لازاريني بأن ما قدمه من تعهدات يساعد في ضمان استمرار عمليات الوكالة في تقديم خدماتها حتى أيلول المقبل فقط، وهذا يتطلب ضرورة مواصلة الجهود من قبل "الأونروا" أولا و"منظمة التحرير الفلسطينية" ثانيا والدول المضيفة ثالثا، سواء مع المانحين التقليديين لتعويض وقف المساهمة الأميركية أو عبر فتح قنوات مع مانحين جدد، وهناك إمكانية جدّية للنجاح بتوفير دعم مالي مستدام ومرن، خاصة بعد اتضاح حقيقة الأكاذيب الإسرائيليّة في اتهامها للوكالة وموظفيها.
حل سياسي
وأطلقت "الأونروا" في نيسان الماضي نداء استغاثة طارئ للاستجابة الإنسانية حتى نهاية هذا العام، للاستجابة للاحتياجات الأشد إلحاحاً لما مجموعه 1,7 مليون فلسطيني في قطاع غزة نظراً للحرب المستمرة، وأكثر من 200 ألف لاجئ من فلسطين في الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس المحتلة.
ويقول مسؤول ملف "الأونروا" لحركة الجهاد الإسلامي في لبنان جهاد محمد لـ"النشرة"، على الرغم من الدعم السياسي والمعنوي للمؤتمر، إلا إننا نستغرب الأسباب التي حالت إزاء عدم ترجمة هذا الدعم السياسي الكبير إلى دعم مالي ملموس، في حين أن "الأونروا" تواجه عجزا ماليا كبيرا يهدد استمرارية خدماتها الحيوية في مناطق عملياتها، في ظل الأوضاع الصعبة في المنطقة الحرب الدموية التي يمارسها الاحتلال في قطاع غزة.
وتوقف محمد أمام الخطوات الممنهجة في استهداف "الأونروا" سياسيا وماليا وعملياتيا، لجهة منشآتها بشكل مباشر في غزة دون أي رادع دولي وإنساني وهي مراكز تتمتع بحصانة دولية، ومن خلال محاصرتها ماليا بمشاركة الإدارة الأميركية ومن خلال سعي الكنيست الإسرائيلي لتمرير مشروع قرار يعلن الأونروا منظمة إرهابية، وهو أمر غير مقبول ويتعارض مع القوانين الدولية والإنسانية.
واعتبر محمد، أن بقاء "الأونروا" ضروري جدا للاجئين الفلسطينيين وللعالم بأسره، لما تمثله من شريان حيوي للاجئين، وضامن دولي على نكبتهم ورمزاً للاستقرار من خلال التقديمات الحيوية التي تشمل التعليم والرعاية الصحية والإغاثة. وبالتالي فإن تركها دون دعم مالي كاف سيؤدي إلى كارثة إنسانية ويزيد من معاناة اللاجئين ويهدد استقرار المنطقة بأكملها.
وأكد محمد، أن انتهاء ولاية "الأونروا" يكون بعودة اللاجئين إلى وطنهم وأراضيهم وقراهم باعتبارها مرتبطة ارتباطا وثيقا بقرار حق العودة، كما أنها ليست مجرد مؤسسة إنسانيّة، بل هي جزء من الحل السياسي لقضية اللاجئين. لذلك ندعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات عاجلة لترجمة الدعم السياسي إلى دعم مالي حقيقي ومستدام حتى تتمكن من الوفاء بمسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين.