ما هو مُبَرِّرُ الوجودِ؟ الحُبُّ. بِهِ كُلُّ أنا مُهِمٌّ نِسبَةً الى آخَرَ. بَل أساسِيَّاً، بِحَيثُ أنَّ وجودَهُ لا يَستَمِرُّ إلَّا بِوجودِهِ. أيَكونُ الحُبُّ إستِمرارُ الوجودِ؟ بَل أعمَقُ، أن تَكونَ مَحبوباً وَتُحِبُّ يَعني أن تَرتَقيَ أكثَرَ فأكثَرَ الى عُمقِ أعماقِ الوجودِ، لِتُدرِكَ أنَّ اللهَ خالِقُكَ، ما فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا لِحُبِّهِ لَكَ. وَإلى المُحالِ، أنتَ غالٍ غُلوَ الوجودِ بأسرِهِ لِلَلهِ.
أهيَ الثِقَةُ بِحُبِّ اللِه، سِرُّ الحُبِّ البَشَرِيِّ؟ قُل بَعدُ: سِرُّ النُموِّ في المِعنى: مِعنى التَبادُلِ بالقَبولِ. والقَبولُ حُرِيَّةٌ. فيها، قُدرَةُ إدراكِ الكُلِيَّةِ بِما هو غَيرُ مَلموسٍ.
وَوَحدَهُ المَخلوقُ مَدعوٌّ لِلإنفِتاحِ مِن وِحشَتِهِ على تِلكَ الوَثبَةِ. كَما وَحدَهُ الخالِقُ مَدعوٌّ لِلخُروجِ مِن إنفِرادِهِ، لِتَجسيدِ جَوهَرِيَّةِ هَذِهِ الوِحدَةِ... بِحَيثُ تُستَبانُ عَلاقَةُ الخالِقِ-المَخلوقِ بأُقنومِيَّةِ المُحِبِّ-المَحبوبِ، بِتَبادُلِيَّةٍ فَريدَةٍ وَلا أروَعَ، إذ كُلٌّ مِنهُما هو في آنٍ هَذا وَذاكَ.
أيَكونُ مُبَرِّرُ الوجودِ، سِرَّ الأسرارِ لإستِعصاءِ فَهمِهِ؟ لَم يَخشَ لبنانُ هذا السؤالَ. جَوابُهُ، أعطاهُ مِن أوَّلِ قِصَّةِ حُبٍّ إستَلَّها مِن قِمَمِهِ وَدَفقِ أنهارِهِ: أدونيسُ وَعَشتَروتُ. ذاكَ الحُبُّ الإلَهيُّ المُتَجَسِّدُ بَشَراً، الجامِعُ الفِكرَةَ العائِلِيَّةَ الى القُدرَةِ الكَونِيَّةِ، بإنشِدادٍ بَينَ السُلطانِ المُطلَقِ والحُبِّ المُطلَقِ، البُعدِ والقُربِ، الكَمالِ والرِعايَةِ. يا لِغَلَبَةِ الكُلِيَّةِ على التَخَلِّيَ عَن سُلطانِ الذاتِ، مِن دونِ خِشيَةِ فُقدانِ الذاتِ! فيها، أسَّسَ لبنانُ الإدراكَ الأوَّلَ لِسِرِّ الأُلوهَةِ وَلِسِرِّ الإنسانِ... المُنتَصِرَينِ على المَوتِ بِما بَعدَ بَعدَ الحَياةِ.
مِن يومِ ذاكَ الثَباتِ في تَكامُلِ الكَمالِ، وَلبنانُ الذي نَشَرَهُ، وَكَرَّسَتهُ المَسيحِيَّةُ في حَقيقَةِ اللهِ-الثالوثِ (آبٌ، إبنٌ، روحٌ) وَحَقيقَةُ الإنسانِ (روحٌ، نَفسٌ، جَسَدٌ)، طَريدَةُ الجُنونِ حَدَّ إزهاقِ جَوهَرِيَّةِ وجودِهِ.
ها الإغريقُ بِفَلاسِفَتِهِمِ يُعلونَ أنَّ الجُنونَ هو الأقدَرُ لِتَفسيرِ الكَثيرِ. والرومانُ ناقِلوهُمُ رَقُّوهُ الى مَرتَبَةِ أبوكاليبتو شَخصِيٍّ: واقِعَةٌ بالدَمِّ والدُموعِ تُمَهِّدُ الطَريقَ بالنارِالى تَراكُمِ جُثَثٍ تَتَمَتَّعُ بِراهِنِيَّةٍ أيّ حاضِرٍ. أيَكونُ الجُنونُ آلِيَّةَ إدراكِ العالَمِ؟ كِلاهُما أسَّسوهُ، بِنارِ الآلِهَةِ المُتَصارِعَةِ والبَشَرِ المُتَقاتِلينَ، تَسويغاً لِضَبطٍ جَعَلوهُ الأجدى. صَياغاتُهُ جَرفُ مُفرَداتٍ مِن مُعجَمِ الجُنونِ... بِطِبائِعَ تَلتَهِبُ سُبُلاً لِمُراكَمَةِ الجُثُثِ. فَلا عَقلَ بَعدُ، وَلا إيمانَ، بَل طُرُقٌ بَينَ مُنبَسَطاتِ بَطشٍ لا تَستَجيبُ إلَّا لِوَقعِ نِعالٍ مُتَوَجِّهينَ إلى ساحاتِ الحُروبِ.
جَمعُ الشَتاتِ
أيَكونُ المَوتُ كاتِبَ التاريخِ الحُرِّ، وَخَجَلُ الإنتِماءِ لِلجِنسِ البَشَرِيِّ الحَدَثَ الهَلَعيَ الوَحيدَ لِلمَصائِرَ؟
ها هوَذا العالَمُ شَتاتاً غَدا، وَفيهِ عَلَتِ الأقنِعَةُ لِسِترِ أهوالِ الجُنونِ.
يا لِبَراءَةِ لبنانَ، إذ إعتَنَقَ الحُبَّ حَقيقَةً مُرتَقِيَةً لِتَكامُلِ ثُنائِيَّةِ العَقلِ-الإيمانِ، فيما شَتاتِ العالَمِ تَناحُرُ غَرائِزَ وَسطَ دَمارٍ عاتٍ!.
يا لِبَراءَةِ لبنانَ، إذ سَبَرَ غَورَ الأُلوهَةِ وَغَورَ الإنسانِ فَحَرَّرَهُما، لِيُؤَصِّلَهُما في تَسارُعِ سَلامٍ، رُبوبِيَّتُهُ في إندِفاعِ دَيمومَتِهِ بِرؤيَةٍ تَشارُكِيَّةٍ!.
أفي الرَقصِ على التَناقُضاتِ المُدَمِّرَةِ اللانِهايَةَ لَها، والنُزوعِ الى تَقادُمِ الجَبروتِ بإصطِفافاتِ وَحَتَّى تَعارُضاتِ الشَرِّ المُطلَقِ على إيقاعِ الظُروفِ والمُستَجِدَّاتِ، مَعَ العَجزِ عَنِ التَحَكُّمِ في مآلاتِها، إذ لا يُدرى فيها مَن يَصطَفُّ مَعَ مَن أو ضِدَّهُ، خَلاصٌ لِلعالَمِ؟.
أمامَ أنينِ الجَسَدِ والروحِ والنَفسِ في مواجَهَةِ تَشتيتِ المِعنى، كَثافَةُ لبنانَ، بَراءَتُهُ، لَيسَت سَذاجَةً إثراؤها تَخَيُّلاتٌ. هي إلحاحُ الحَقيقَةِ بِوَجهِ أضاليلَ الأقنِعَةِ. هي جَمعُ الشَتاتِ في جَوهَرِ عَلاقَةِ-الحَلِّ.
لبنانُ-الحُبُّ، عِلَّةُ الوجودِ. عَطِيَّةُ الجُرأةِ: هو عَطِيَّةُ الخَلاصِ. عِلَّةُ كُلِّ شَيءٍ.