تمر الذكرى 18 لحرب إسرائيل العدوانية في تموز من العام 2006، فيما يتواصل العدوان الإسرائيلي على الجنوب. وفي تموز 2006، ألقت إسرائيل، خلال اللحظات الأخيرة لعدوانها، ما يقارب 4 ملايين قنبلة عنقودية على الجنوب والبقاع الغربي، أدت حتى اليوم إلى وقوع ألف إصابة بين شهيد وجريح ومعوق، بينهم عناصر من الجيش واليونيفل والمواطنين اللبنانيين من المزارعين، لاسيما مزارعي التبغ، والرعاة والعمال.
في هذا السياق، لا يزال المركز اللبناني للالغام في الجنوب، التابع للجيش، يتولى، بالتنسيق مع "اليونيفل" والجمعيات الدولية والمحلية، مواصلة نزع وتفكيك هذه القنابل، والتي من المقرر، حسب خطة خمسية وضعها الجيش، أن يتم الانتهاء منها أواخر العام 2026.
وبحسب إستراتيجيته المركز للعمليات الإنسانية 2020 – 2025، سجِّل تنظيف ما يقارب 1,455,868م2 من مجمل المساحة الملوَّثة التي قدِّرت بـ 29,660,000 م2، وفق آخر مسحٍ تقني تم إجراؤه بداية العام 2022. وبالرغم من علم إسرائيل أن هذه القنابل محرمة دولياً. واليوم، رغم العدوان الإسرائيلي المستمر على الجنوب، يسير العمل بنزع القنابل والالغام ببطئ، نتيجة اجرام الجيش الإسرائيلي، الذي لا يتورع عن استهداف الجيش و"اليونيفل"، وهو ما حصل عند القصف الإسرائيلي على موقع الجيش في العويضة – العزية.
في هذا الإطار، يشير الكاتب والناشط في قضايا الحرب وضحاياها والإعاقة والتوعية من مخاطر الألغام والقنابل العنقودية عماد خشمان، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن لبنان عانى ويمازال، حتى اليوم، جرّاء إستخدام الذخائر العنقودية، التي قام الجيش الإسرائيلي برميها فوق القرى والبلدات الجنوبية وبيوتها ومدارسها وأزقتها وشوارعها ورياض الأطفال وملاعب الصغار، وأدت ايضاً إلى تلوث مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، والتي قدّرت في حينها بـما لا يقل عن 42 مليون م2، مضافاً إليها ملايين أخرى من الأمتار المربعة، تشكل حقولاً للألغام الأرضية من مختلف الأنواع والأحجام ترتكز بمعظمها على الخط الأزرق الفاصل بين الحدود اللبنانية وفلسطين المحتلة، زرعها الجيش الإسرائيلي قبيل إندحاره عن جنوب لبنان في العام 2000.
وفق التقرير السنوي (ANNUAL REPORT 2023)، الصادر عن المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام LMAC، في نهاية العام 2023، والذي يتضمن إنجازات المركز في إطار إزالة الألغام والقنابل العنقودية والذخائر غير المنفجرة على مختلف الأراضي اللبنانية، ورغم تأثّر العمل بتراجع الدعم المالي الدولي للبرنامج الوطني للنزع والإزالة وتقلّص عدد الفرق العاملة في هذا المجال، تم تنظيف 3.041.585 م2 في العام 2023 من الأراضي والحقول الزراعية بإمكانيات وطنية ومشاركة دولية.
وفي قراءة بسيطة للأعوام الخمسة الماضية، ما بين 2019 – 2023، يلاحظ التراجع الملحوظ في التمويل والدعم الدولي لبرنامج الإزالة والتنظيف في لبنان، رغم قساوة المشكلة وخطورتها على المدنيين في جنوب لبنان ومناطق أخرى، عانت من هذه المشكلة الأليمة، والذي إنعكس على حيوية البرامج المختلفة من إزالة وتنظيف وتوعية للمواطنين وتقديم المساعدات للضحايا.
وفي إنجازٍ وطني، يورد التقرير المذكور أنه في نهاية العام 2023 تم الإعلان عن تنظيف وإزالة كل الألغام والذخائر غير المنفجرة والمخلفات الحربية في محافظتي الشمال وفي بعلبك الهرمل، وتحديداً في المساحات التي كانت تحت سيطرة الجماعات الإرهابية التكفيرية، ويتحدث التقرير عن بقاء ما يقارب الــ 24 كلم2 من الأراضي الملوثة بالألغام والقنابل العنقودية والذخائر غير المنفجرة، في مناطق متفرقة من جبل لبنان والشوف، ومعظمها في جنوب لبنان والبقاع الغربي وعلى الخط الأزرق، وتحتاج إلى جهود حثيثة ودعم دولي إضافي لإزالتها وتنظيفها ودفع الخطر القائم بسببها عن أرواح اللبنانيين، حيث سجّل التقرير السنوي أيضاً سقوط ثمانية ضحايا بين شهيد وجريح خلال العام 2023.
بالنسبة إلى العدوان الحالي على الجنوب، لم يسجل، حتى الآن، وفق المتابعة الميدانية الدقيقة، إستخدام للذخائر العنقودية، بل تفيد التقارير عن وجود مخلفات حربية من قذائف فوسفورية استخدمت بكثافة وتشكل ضرراً بيئياً وصحياً لا يمكن التخلص من آثارها، على الإنسان والأراضي الزراعية والحقول والأشجار المثمرة، قبل سنوات عديدة، وأيضاً استخدمت صواريخ ثقيلة ومتعددة الأوزان والأحجام وقذائف مدفعية جرَّاء الغارات الحربية والرمايات المتواصلة من قبل الجيش الإسرائيلي، يعمل الجيش اللبناني على تحييدها وإزالتها وفق الظروف الممكنة، ويبقى الكثير منها نشطاً وخطراً على المدنيين في القرى والبلدات المستهدفة، وأكثرها خطورة وجود تلك المشاعل الحرارية غير المنفجرة، والتي ترميها الطائرات المغيرة تفادياً لصواريخ الدفاعات الجوية التابعة لـ"حزب الله"، والعديد من هذه المشاعل تصل إلى الأرض وتبقى جاهزة للاشتعال في أي لحظة ممكنة عند لمسها أو تحريكها، وسجل وقوع إصابات بسببها في الأيام الماضية.
ويقوم المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام في الجيش اللبناني، وبمؤازرة اللجان الوطنية، بجهود حثيثة في مجال التوعية من المخاطر ومساعدة الضحايا، ويلاحظ وجود حملة توعية من خلال اللوحات المنتشرة على الطرقات المؤدية إلى الجنوب، هذه الهيئات والجمعيات، والتي يجب أن تكون على إستعداد وجهوزية عند توقف العدوان للقيام بواجباتها تجاه أهلها في القرى والبلدات المستهدفة، وأن تضع الخطط والبرامج اللازمة، تمهيداً للقيام بواجب التوعية تجاه المدنيين الآمنين في المجتمعات المتضررة، وإعداد ما يتناسب من مواد توعية تناسب الفئات العمرية المختلفة، وتحاكي الواقع الميداني المستجد والذخائر والمخلفات الحربية غير المنفجرة والتي استخدمت في العدوان الحالي.
من جانبه، يشير رئيس اتحاد نقابات العمال والمزارعين في لبنان علي بشارة إلى أن العديد من شهداء ومصابي القنابل العنقودية الإسرائيلية، هم من المزارعين ومزارعي التبغ وعمال الجنوب والجيش و"اليونيفل" والمنظمات المحلية والدولية، ويعرب عن عن استيائه من تقلص الدعم الدولي للبنان لإزالة هذه القنابل، وهو تراجع كثيراً لتبقى منظمة واحدة هي فريق ماغ البريطاني، والذي يعمل فيه لبنانيون وجمعيات محلية، فيما يتولى الجيش، الذي سقط له شهداء في هذه المهمة الصعبة، وحده إزالة ما تبقى من قنابل، مع حملات توعية من مخاطرها في المدارس والنوادي والجمعيات، وتعمل العديد من وحدات "اليونيفل" على مساعدة الجيش في نزع القنابل والألغام الإسرائيلية، التي تتركز على الخط الأزرق وفي بلدات شمال وجنوب الليطاني.
بدوره، يلفت رئيس بلدية كفرتبنيت فؤاد ياسين إلى أن البلدة قدمت المزيد من الشهداء والجرحى بالقنابل العنقودية الإسرائيلية، ويعتبر أن هذه القنابل هي احتلال مدفون بالأرض، ويضيف: "نحن نقوم بحملات التوعية للميواطنين من خطرها، ولا بد أن ننوه بدور الجيش الذي يقوم بدور فعال في إزالة وتفكيك هذه القنابل، من الحقول والأراضي الزراعية ومن بين السكان لتقليل الإصابات".