من الطبيعي ان تتكاثر التحليلات والتوقعات والافكار بعد كل حدث مهم يحصل، ومحاولة اغتيال الرئيس السابق والمرشح الحالي للرئاسة الاميركية دونالد ترامب، تشكّل بلا شك، مادة دسمة للحديث عنها. ومن المنطقي ايضاً ان تحضر سيناريوهات عديدة وفي مقدمها نظرية "السيناريو المدبّر" ايّ ان العملية كانت مخططة سلفاً وان مقتل القناص "توماس ماثيو كروكس–20 عاماً" كان محسوماً، على غرار الافلام الاميركية العديدة التي تم انتاجها في هذا السياق. ويكمل داعمو هذه النظرية ان الطريقة الافضل لكسب تأييد الناس هي التعاطف، وليس هناك افضل من محاولة الاغتيال لكسب هذا التعاطف، وقد نجحت الخطة.

في المقابل، يستخف مناهضو هذه النظرية بما يقال، متسلّحين بذريعة انّ مليمترات صغيرة فقط كانت كفيلة بقتل ترامب، وليس هناك اي قناص بهذه المهارة مهما كان تدريبه عالياً (على عكس كروكس)، كما ان هناك قتيل بين الناس واصابات اخرى، فهل هذا ايضاً من ضمن السيناريو؟ ويتابعون: اذا كانت محاولات الاغتيال هي السبيل الاقصر للوصول الى الرئاسة، فهل يجب ان نتوقع محاولة مماثلة تستهدف الرئيس الحالي جو بايدن؟ ويختمون بالقول انه من السخيف جداً التفكير بمثل هذه الطريقة.

ويعود اصحاب "السيناريو المدبّر" للتعبير عن شكوكهم بالتساؤل عن مدى قدرة رجل كبير في السن نسبياً، ويخاف على حياته بشكل كبير (ترامب من اصحاب الاموال الباهظة ولا يترك اي سبب للحفاظ على حياته مهما كان الثمن، واصابته بالكورونا وتلقّيه اللقاح على الرغم من معارضته اتخاذ اجراءات الحماية اللازمة في حينه، دليل على ذلك)، فكيف يمكن لشخص لا يزال تحت صدمة الخوف من الموت، التحدّي والوقوف بشكل مكشوف ويرفع قبضته وكأنّ شيئاً لم يكن، اين الصدمة والقلق والخوف؟ هل تعثّر ام تعرض لمحاولة اغتيال؟ الم يكن عليه ان يبقى بعيداً عن الانظار كي لا يُستهدف مرة اخرى؟ ألم يكن على جهاز الحماية السرّية تنفيذ الاجراء المتّبع في هذا المجال واحاطته بطريقة لا يمكن فيها رؤيته ونقله بالسرعة اللازمة الى السيارة لاخذه الى مكان آمن؟ لماذا حصل التأخير؟.

لا يمكن بالطبع اعطاء جواب واضح على التساؤلات والنظريات التي ترافق الاحداث ومنها محاولة الاغتيال هذه، ولكن الثابت انها بالفعل اعطت ترامب ما يحتاج اليه من دعم وتعاطف وتأييد للفوز بالانتخابات، وهو دخل الى المؤتمر الجمهوري العام الذي خرج منه مرشحاً رسمياً للحزب، كما اراد ان يكون عليه الوضع، من دون اي انقسام او شك او تردد من قبل الناخبين، بل استطاع ان ينقل هذا الشعور الى الناخبين الديمقراطيين الذين يعانون اساساً من شكوك حول قدرة بايدن على الوقوف في وجه ترامب، اضافة الى شعورهم بالخوف مما آلت اليه الاوضاع في بلادهم حيث بات العنف اسهل السبل المعتمدة، وشبح الحرب الاهلية يحوم من بعيد اكثر من اي وقت مضى.

وفي حين يؤكد الجمهوريون ان وصول ترامب الى الرئاسة سيغيّر كل هذا الوضع، يتخوّف الديمقراطيون من ان عودته الى البيت الابيض سيؤمّن الفرصة التي لم يستطع استغلالها لتحقيق اهدافه وتصوّره، الذي من شأنه ان يجعل اميركا منقسمة وفي حالة ضياع خطيرة جداً وسط الحروب والمواجهات العالمية التي لاميركا الثقل الكبير فيها (الحرب الروسية-الاوكرانية، حرب غزة، المواجهات الاقتصادية والسياسية مع الصين،...).

الواقع يفيد ان الرئاسة الاميركية باتت اليوم في متناول ترامب، ويبقى معرفة الخطّة التي سيعتمدها بايدن والديمقراطيون والتي ستكون صعبة للغاية، لقلب موازين القوى والعمل على كسب اصوات الحزب كاملة من دون ضياع اي منها بسبب الشك، اضافة الى محاولة كسب الاصوات المتردّدة التي تعتبر "بيضة القبّان" في مثل هذا الاستحقاق، مع الاشارة الى ان الوقت اصبح عاملاً ضاغطاً لا يمكن تجنّبه.