في الأسابيع الماضية، كان الرهان الأساسي على إمكانية نجاح المفاوضات في الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، يكون له تداعياته على العمليات العسكرية في الجبهة الجنوبية، بالرغم من ان المواقف الإسرائيلية في هذا المجال لم تكن واضحة، وهو ما دفع "حزب الله" إلى إطلاق مجموعة من المواقف، التي تصب في إطار أن الهدوء في غزة سينعكس تلقائياً على الجنوب.

في الوقت الراهن، تتراجح حظوظ الوصول إلى إتفاق في قطاع غزة، نظراً إلى إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالإستمرار في الرهان على الحل العسكري، مستفيداً من التطورات التي تسيطر على المشهد السياسي في الولايات المتحدة، لا سيما بعد محاولة الإغتيال التي تعرض لها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بالرغم من تأكيد حركة "حماس" على الإستمرار في نهج "المرونة"، بالنسبة إلى التعامل مع المفاوضات.

هذا الواقع يدفع إلى السؤال عن مصير العمليات العسكرية على الجبهة الجنوبية، خصوصاً مع المؤشّرات المتصاعدة التي توحي بأنّ تل أبيب تسعى إلى رفع وتيرتها في المرحلة المقبلة، حيث تفيد مصادر متابعة، عبر "النشرة"، بأنّ المعطيات الراهنة، من حيث المبدأ، توحي بصعوبة الوصول إلى إتفاق في غزّة، ما يعني إستمرار العمليّات على الجبهة الجنوبيّة، بسبب الإرتباط بين الجبهتين، الّذي كان قد أكّد عليه "حزب الله" منذ اليوم الأول لدخوله المعركة، رغم كل المساعي الدوليّة التي كانت تهدف إلى الفصل بينهما.

بالنسبة إلى هذه المصادر، هذا الواقع، يرجّح أن تشهد الجبهة الجنوبيّة تصعيداً في العمليات العسكرية، إنطلاقاً من التهديدات التي كانت تل أبيب تطلقها، طوال الأشهر الماضية، حيث الحاجة الإسرائيلية الواضحة إلى الإنتهاء من هذا الملف قبل بداية فصل الخريف، لكن في ظلّ العجز عن تحقيق الهدف، يبدو أنها ليست في وارد الذهاب إلى المواجهة المفتوحة، بسبب عدم توفّر الإمكانيّات لذلك، بالرغم من أن نتانياهو يراهن على احتمال حصول تحوّل في موقف الولايات المتحدة، خلال زيارته المنتظرة اليها.

وتشير المصادر نفسها إلى أنه حتى ولو حصل هذا التحوّل، في الموقف الأميركي، رغم أن هذا الأمر لا يزال مستبعداً، فإنّ قرار الذهاب إلى الحرب الشاملة لا يرتبط فقط بموقف الولايات المتحدة، فتل أبيب تدرك جيداً أنها لا تستطيع أن تتجاوز قدرات "حزب الله"، التي كان قد تقصّد الكشف عن البعض منها، في الفترة الماضية، وبالتالي هي تأخذ هذا الأمر بعين الإعتبار، بالرغم من إرتفاع وتيرة تأييد عمليّة عسكريّة ضد لبنان، في أوساط القيادتين السّياسية والعسكريّة، في حين أنه في الجانب اللبناني هناك تأكيدات بالإستعداد لكافة السيناريوهات، إلى جانب التحضير لمفاجآت لا تتوقعها إسرائيل، من دون تجاهل القلق من توسع رقعة أيّ عدوان نحو المنطقة برمّتها.

من وجهة نظر المصادر المتابعة، مسار العمليات العسكريّة، منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، يعزّز فرضيّة التصعيد العسكري، الذي لا يقود إلى المواجهة المفتوحة، لكنه في المقابل سيكون أكبر من الحالي، بالتزامن مع رفع وتيرة عمليات الإغتيال التي توسعت رقعتها نحو الأراضي السوريّة، سواء كانت تستهدف شخصيات عسكريّة من "حزب الله" أو أخرى مقرّبة منه، مع العلم أنّ العملية الأخيرة، التي استهدفت براء القطرجي، هي الأولى التي لا يكون المستهدف فيها شخصية عسكريّة، بل إقتصاديّة غير محسوبة مباشرة على الحزب.

في هذا المجال، توضح هذه المصادر أن الواقع الحالي يفترض أخذ كافة الإحتمالات بعين الإعتبار، نظراً إلى أن أحداً لا يستطيع التكهن بحقيقة النوايا الإسرائيلية، رغم أن القراءة الموضعيّة تستبعد أن تقدم على خطوة متهورة، لكنها تلفت إلى أن كل ما يحصل، منذ السابع من تشرين الأول الماضي، ليس طبيعياً، وتسأل: "من كان يتوقع أن تستمر الحرب كل هذه المدّة، ومن كان يتصور أن نتانياهو سينجح في التمرد على الولايات المتحدة، لضمان مستقبله السياسي فقط، رغم التداعيات التي يتركها ذلك على حظوظ الرئيس الأميركي جو بايدن الرئاسية"؟.

في المحصّلة، تعتبر المصادر أنه قد يكون الخيار الأفضل، في قراءة التطورات على الجبهة اللبنانيّة، هو عدم الذهاب إلى توقّعات طويلة الأمد، حيث تلفت إلى أنه اليوم يمكن التأكيد أن خيار المواجهة الشاملة مستبعد، حيث المرجّح، في حال حصول أيّ تصعيد، أن يبقى ضمن المسار الذي بات معتاداً، بإنتظار زيارة نتانياهو إلى واشنطن، على أقل تقدير، لمعرفة ما يمكن أن يحصل، خلال محادثاته مع المسؤولين الأميركيين، خلالها.