بعد اكثر من 10 اشهر على عملية "طوفان الاقصى" التي لم تشهد اسرائيل مثيلاً لها في تاريخها، وبعد كل تداعيات هذه العملية ميدانياً وسياسياً ودبلوماسياً، لا يزال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في الحكم. عوامل عدّة كانت تشي بأنه لن يبقى لوقت طويل في منصبه، خصوصاً وانه كان مكروهاً قبل اسابيع قليلة من العملية ونزلت الى الشارع اعداد كبيرة من الاسرائيليين المطالبين بمحاكمته بسبب التعديلات القضائية التي اجراها، في مظاهرات وُصفت بأنّها الاضخم، وربما كادت ان تؤدّي الى رحيله عن المشهد السياسي (قبل ان يتم الغاؤها من قبل المحكمة العليا بداية السنة الحالية).

ولكن، ما حصل بعد العمليّة هو انّ المعارضة الاسرائيلية وقعت في الفخ الذي نصبه نتنياهو نفسه، فالتفّت حوله في ما اسماه "حكومة الحرب" وجمع كل معارضيه في مكان واحد تحت سلطته، وبدأ خطته الجهنمية لتهميش المعارضة رافعاً شعار "توحيد اسرائيل"، واخذ يلعب على وتر خطر الوجود الاسرائيلي. سنحت للمعارضة الفرصة تلو الاخرى لاستغلالها والانقلاب على نتنياهو، إن بفضل الضغط الشعبي (الذي لم يرق الى المستوى المطلوب) لاستعادة الاسرى، او بفعل الضغط الدولي لوقف المجازر الفظيعة التي ارتكبت بحق الفلسطينيين (وتم ايضاً استهداف منظّمات ومقرّات وموظفّي الامم المتحدة)، او بفعل الشرخ الكبير الذي حصل بين الرئيس الاميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الاسرائيلي والذي خرج الى العلن، او بفعل الضرر الكبير الذي لحق بصورة اسرائيل لدى الشعوب الدولية والغربية تحديداً (وذلك للمرة الاولى) وخروج مسؤولين سياسيين ورسميين ينتقدون اسرائيل ومسؤوليها... كل هذه المعطيات لم تتعاط معها المعارضة كما يجب، ولم تعرف الاستفادة منها للاطاحة بنتنياهو، وها هو يتحكم بدفّة القيادة الاسرائيليّة حتى الساعة، من دون اي دليل على امكان تنحّيه او مغادرته للمنصب.

حاول المعارضون التعويض، ولكن خطوتهم كانت متأخّرة وناقصة، فحتى استقالة الوزير في حكومة الحرب بيني غانتس ومعه زميله غابي أيزنكوت، وانتقادات زعيم المعارضة يائير لابيد اليومية لم تكن مصيرية بالنسبة الى نتنياهو، فتم حلّ حكومة الحرب من دون ايّ تأثير سلبي، وخرج رئيس الوزراء منتصراً من الكنيست بعد سقوط محاولات سحب الثقة، واخيراً سقوط مشروع قانون انشاء لجنة تحقيق في عملية "طوفان الاقصى" في 7 تشرين الاول 2023، بعد ان رفضه 53 نائباً وايّده 51 نائباً. وهذا ان دلّ على شيء، فعلى انّه لا يزال ماسكاً بزمام الامور، على الرغم من كل التصدعات واللكمات التي تعرّض لها، والتي هزّته من دون ان توقعه ارضاً. اليوم، اثبت نتنياهو انه اقوى من المعارضة، وهو يشتري الوقت حالياً لاكمال مسيرته لانه يدرك ان الوقت سيعمل لصالحه كما حصل منذ 10 اشهر وحتى الان، واذا تمكن من الاستمرار في خطته حتى آب المقبل، فسيصبح من شبه المستحيل تغييره قبل العام 2025 على اقل تقدير، بسبب عطلة الكنيست الصيفية. ومع اقتراب الجمود الدولي الذي ستتسبب به الانتخابات الرئاسية الاميركية في تشرين الثاني المقبل، لن يكون من الممكن البحث عن تغييرات جذريّة في اسرائيل او غيرها، وستبقى الامور على حالها في انتظار انقشاع الضباب الانتخابي والاعلان عن الاستراتيجية الاميركية للسنوات الاربع، وما اذا كانت ستتغير ام ستطرأ بعض التعديلات عليها، ام ستبقى على حالها (وهو امر مستبعد).

في مطلق الاحوال، ليس هناك من شكّ ان سوء تصرف المعارضة الاسرائيليّة ورفضها كل الفرص التي قُدّمت لها، يجعل منها السبب الرئيسي في بقاء نتنياهو في الحكم، وعليها لوم نفسها فيما ستزداد صعوبة التخلّص من رئيس الوزراء مع مرور الوقت، لقدرته على المناورة السّياسية الناجحة والتي اعطت ثمارها لنحو عام.