سمعتُ بالأمس القريب، أثناء المشاركة في عشاء خيريّ، أحدَ الأخوة الكهنة يقول: "إنّ أهمّ معجزة تحصل مع الإنسان، هي أن يعيش المحبّة مع أخيه الإنسان".
هذا الكلام جاء خلال عشاء نظّمه أحد فروع حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، في جبل لبنان، والذي يعود ريعه لتأمين مبلغ من المال، لإجراء عمليّة زرعِ نخاع شوكيّ، لشابٍ منتمٍ لهذا الفرع الحركي.
كنتُ أنظر وأراقب تأثّر الأخوة المنتسبين إلى مركز جبل لبنان في حركة الشبيبة الأرثوذكسية، الذين وفدوا من رعايا متعدّدة في الأبرشية، مع اصدقائهم ومعارفهم، ببركة وحضور راعي الأبرشيّة المطران سلوان موسي، وعدد من الأخوة الكهنة، ليقدّموا الدّعم الماديّ والمعنويّ لهذا الشاب، الذي حمله أخوته في الحركة، على الأكفّ، على وقع موسيقى الفرح، في تعبيرٍ واضح عن محبّتهم وتضامنهم معه. بعضهم قد عبّر عن تماهيه معه بطرق مختلفة، حيث قامت مجموعة من إخوته الحركيين، بحلق شعر رؤوسهم، عندما بدأ شعر هذا الشاب بالتساقط نتيجة العلاج الكيميائي.
هذه هي الكنيسة، وهذا هو سرّ الجماعة، التي تعيشُ الكلمة الإلهية بالقول والفعل معًا. كلّ تعاليم السيّد المسيح تحملنا إلى القيام بأعمال الرحمة، ومحبّة الآخر، وافتقاد المرضى، وتعزية الحزانى أليس هو القائل في إنجيل متّى: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ" (متى ٢٥: ٤٠). يوضح المسيح كيف يكون عمل الرحمة موجّهًا له شخصيًا، لأن كلّ ما فعلوه من أعمال رحمة مع الضعفاء، الفقراء، أو المرضى أو المحبوسين، هو مقدّم له شخصيًا. المسيح لصيق كلّ محتّاج. هذا تقدير إلهي عظيم لعمل الرحمة، لا بل إعلان المحبة وسبيلنا لميراث الملكوت.
ما شاهدّته من تضامن أخويّ مع هذا الشاب، الذي حرّكت قضيته قلوب كثيرين، دفعني إلى فهم معنى أن تكون ضمن جماعة، تؤمن بأنّهم أخوة بكلّ ما للكلمة من معنى، وتطبيقًا لما ورد في كتاب أعمال الرسل، حيث كانت الجماعات الأولى "يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ، وَالشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ الْخُبْزِ، وَالصَّلَوَاتِ" (أعمال ٢: ٤٢). مارست الكنيسة الأولى الشركة من جوانب متعدّدة، وتحديدًا شركة الحبّ العمليّ الباذل، كالاهتمام بالفقراء والمحتاجين والمتألّمين والمسجونين والغرباء والحزانى والمرضى. من هنا على كلّ جماعة مسيحيّة، أن تقارن حياتها بحياة الجماعة المسيحية الأولى، لتتأكّد من قدرتها على العيش بتناغم، والشهادة لقيامة المسيح وخدمة الفقراء والمرضى والمعوزين.
ما يميّز سرّ الجماعة المسيحية هو العطاء المغبوط.
العطاء يجب أن يكون خاليًا من الشعور بالإلزام. ولكن الدافع يجب أن يكون الحرية الشخصية والاستعداد الذاتي حبًّا بالعطاء. فالله يحبّ الذي يعطي من قلبه بسرور. وهذا الذي يعطي بسخاء يكون له إيمان أن الله سيعوّضه عن الفانيات بالأبديات، بل لن يتركه يحتاج أيّ شيء على الأرض، لذلك فالله يحبّ من له هذا الإيمان. العطاء هو منفعة للطرفين، المحتاج يأخذ أموالًا والعاطي يأخذ فرحًا وسرورًا. إذًا، الله قد جعل العطاء لمصلحة الجميع، ولهذا جاء في رسالة بولس الثانية الى كورنثوس: "كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا يَنْوِي بِقَلْبِهِ، لَيْسَ عَنْ حُزْنٍ أَوِ اضْطِرَارٍ. لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ" (٢ كورنثوس ٩: ٧).
هذا السرور تطبّع في هذه الجماعة الحركية، التي تسعى إلى تطبيق تعاليم المسيح، وتقتدي بمؤسّس الحركة المطران جورج خضر، الذي كان ومازال يتحدّث عن المحبة الأخوية، معتبرًا أن الفقراء والمعوزين هم سادتنا.