يتمثّل النبيّ إيليّا بأيقونات مختلفة بين واقف يسبّح وينظر إلى غراب (أيقونة من القرن الثالث عشر الميلادي محفوظة في دير القدّيسة كاترينا في سيناء)، وجالس يتأمّل وخلفه مغارة وفوقه غراب، وصاعدٍ في مركبة ناريّة يرمي عباءته إلى تلميذه أليشع النبيّ.
هذه هي أيقوناته المعتمَدة في الكنيسة، أمّا الرسم الذي يمثّله رافعًا السيف عاليًا أو حتّى مُعمِلًا إيّاه في كهنة البعل، فهو غير معتمد ولو أنّه يمثّل واقع الحادثة التي جرت في زمن إيليّا المدافع عن يهوه الذي "غيرة بيتك أكلتني". ويبقى سيف إيليّا أي كلمته التي قالها قبل حوالى تسعمئة سنة قبل تجسّد المسيح، وما زال يقولها لكلّ واحد منّا كلّ يوم وكلّ لحظة، وهي مستمرّة للأجيال كلّها، وهي عندما تقدّم إِلَى جَمِيعِ الشَّعْبِ وَقَالَ: «حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟ إِنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ اللهَ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْلُ فَاتَّبِعُوهُ». (1 مل 18: 21).
هو سيف الكلمة، وسيف الحقّ الذي لا يقبل أي مخالطة بين النور والظلمة. وهذا تمامًا ما قاله الربّ يسوع المسيح: "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا" (متى 34:10).
كلام النبيّ إيليّا للشعب لا يحمل أيّ خَلْطٍ بين الله والوثنيّة، وكلام الربّ يقطع كلّ من ينكره فقد جاء مباشرة بعد أن قال: "مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ".
النكران هو الخلْط والتمييع والمزج بين عبادات أرضيّة ترابيّة والإله المتجسّد. لا بل قال أكثر من ذلك: "فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ... مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أو ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي". ليصل بعدها إلى الغاية الفضلى: "وَمَنْ لاَ يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُني فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي" (مت 10: 38).
حمْل الصليب معناه أن نبقى متمسّكين بكلمة الله مهما كانت الظروف صعبة ومريرة من حولنا، حتّى ولو فصلنا هذا الأمر عن أهل بيتنا وأقرب المقرّبين إلينا، لأنّ انتماءنا الأوّل والأخير هو للربّ. فلا مساومة على كلمة الله ولا مفاضلة أو تمييع أو مواربة. كلّ شيء يسقط أمام الإنجيل ليكون هو السائد. هذا تمامًا ما فعله ويفعله القدّيسون.
كلام النبيّ إيليّا والأنبياء كلّهم هو سيف قاطع في وجه الفساد والشرّ، وهو تحضير لما تمّمه الربّ الديّان العادل الذي تنبّأ عنه خاتمة الأنبياء القدّيس يوحنّا المعمدان فقال: "وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّار" (لوقا 9:3). علينا إذًا أن نختار إمّا أن نكون مثمرين بالربّ ونعبدَه هو فقط من دون أيّ خلطٍ أو تشريكٍ أو مزج، أو نسير بقدميَنا إلى هلاكنا، ليس هنا فحسب بل، في الأبديّة.
نعود إلى النبيّ إيليّا الذي نقيم تذكاره اليوم (20 تمّوز/يوليو). فحياته تطابق معنى اسمه: "يهوه إلهيّ". "يهوه" يعني الكائن أي الله، كما عرّف الله عن نفسه لموسى النبيّ عندما كلّمه من خلال عليّقة كانت تشتعل ولا تحترق. الجَمال في هذا كلّه أنّ اسم يسوع أو يشوع هو "يهوه يخلّص/ الله يخلّص"، لهذا قال الملاك ليوسف خطّيب مريم عن طفلها الإلهيّ بأن يدعوه يَسُوعَ، لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ (متى 21:1).
يهوه في اليونانيةOWN وهذا ما هو مدّون على أيقونة يسوع في الهالة حول رأسه التي تحوي صليبًا إشارة إلى صلبه، وهو ما قاله الربّ لليهود: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ OWN» (يوحنا 8: 58).
أيضًا بالعودة إلى أيقونات إيليّا النبيّ على تنوّعها، نشاهد فيها إيليّا وشعره متدلّيًا ولحيته طويلة وملامح وجهه خشنة إشارة إلى عيشه في البرّيّة وجهاده ونسكه.
أكثر الأيقونات الملفتة له هي التي نرى فيها النبيّ جالسًا على مركبة صاعدة "كما إلى السماء" وتجرّها أحصنة، وتحيط بها النار، مثل الأيقونة المرافقة للمقال والتي تعود إلى القرن السابع عشر الميلادي، وهي محفوظة في متحف أثينا في اليونان لكاتب الأيقونات اليونانيّ Theodore Poulakis، وهي مقدّمة إلى كنيسة في جزيرة Corfu على اسم النبيّ إلياس. وكانت قد تعرّضت للسرقة والتشويه والتقطيع، ومع ذلك بقيت تُظهر جمالًا إلهيًّا. المشهد الأساسيّ هو في الوسط حيث يعطي إيليّا عباءته لأليشع. ونعود نرى إليشع في الأسفل يضرب فيها نهر الأردن ليشقّه ويجتاز إلى الضفّة الأخرى (2 ملوك 14:2). وهذا تأكيد لشفاعة القدّيسين.
ويوجد على الأيقونة مشاهد من حياة إيليّا.
النار التي تحيط بالمركبة تشير إلى النار المطهّرة وأيضًا إلى الدينونة العامّة في اليوم الأخير.
ملاحظة: هذا التصوير بدأ يظهر في الكنيسة الروسيّة ابتداء من القرنين الرابع والخامس عشر الميلادي.
خلاصة، قد يبدو غريبًا بعض الشيء أن يكون اسم القدّيس إيليّا ما زال منتشرًا بقوّة إلى يومنا هذا مع أنّه من العهد القديم. كما أنّ لهذا القدّيس أهمّيّة كبيرة في العهد الجديد، فقد ظهر في التجلّي مع موسى النبيّ، وهو يذكَر كمثال للشجاعة والغيرة على بيت الربّ. حتّى أنّ هناك من شبّه الربّ يسوع المسيح بإيليّا. وهو مذكور أيضًا في المجيء الثاني، ونشاهده في أيقونة نزول الربّ إلى الجحيم مع غيره من القدّيسين.
صحيح أنّ النبي إيليّا موجود عند اليهود ويذكرونه في طقس نهاية السبت الخاص بهم، وكذلك موجود عند المسلمين، إلّا أنّه في المسيحيّة يدلّ على يسوع، وشاهد أمين على تجسّده وصيرورته إنسانًا مثلنا ليرفعنا إليه.
فهو كان دائمًا يقول: "حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَنَا وَاقِفٌ أَمَامَهُ" (2 مل 5: 16)، وهو يقول لنا في عيده يسوع هو الإله الحيّ.
إلى الربّ نطلب.