ترأس رئيس اساقفة طرابلس وسائر الشمال للروم الملكيين الكاثوليك المطران ادوار ضاهر، قداسا احتفاليا، في كنيسة مار الياس الغيور في شكا، لمناسبة عيد مار الياس.

وألقى المطران ضاهر عظة رأى فيها أنّ "لبنان يحتضر والمواطنون يعانون من صعوبات جمة لاسيما من الفقر والعوز والاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية، اضافة الى أن بديهيات الحياة اصبحت مفقودة"، داعيًا المسؤولين إلى "تحمل مسؤولياتهم وانتخاب رئيس للجمهورية لتستقيم الامور ويعيش الناس بسلام وامان".

إلى ذلك، قال ضاهر: "نعيّد اليوم معا للنبي إيليا الغيور، شفيع هذا الكنيسة المقدسة وهذه الرعية المباركة، وهي مناسبةٌ عزيزة على قلوبنا جميعا لأتقدّم بالمعايدة القلبية من جميع أبناءِ وبناتِ هذه الرعية المباركة وجميع الحاضرين والمشتركين معنا في هذه الذبيحة الإلهية، وأتمنّاه عيدا مقدسا ومباركا للجميع. أيها الأحبّة، لي في هذه المناسبة كلمتان: كلمة المعايدة وكلمة أمثولة العيد".

وأضاف:" ما يهمُّنا من هذا الاحتفال هو أن نكون معا، رعيةً واحدةً متماسكةً وقوية، نشهد كما شهِد النبي ايليا للحق. فقد قاوم هذا النبي العظيم الدنيا كلَّها في سبيل الله، لأنّ المجتمعَ الذي عاش فيه ألحَدَ وعبدَ الأصنام، فقام وأعلن "أنّ الله حيّ" وليس أحدٌ مثلَه، لا ملوكَ ولا عظماءَ هذه الدنيا مثلُ إلهُنا. النبي ايليا قوّم إعوجاجَ الشعب الذي نسي تعاليمَ الله وراح يعبدُ آلهةً أخرى. هذا النبي، هو بطلُ الأمانةِ لله وهو النبيُ الجريء الثائرُ على آحابَ الملكِ المنحرف تحت تأثير زوجته نحو نسيانِ الله وانتحالٍ الوثنية. نسكَ أوَّلاً في البراري ثمَّ انطلق يواجه ويجابه ويوبِّخ على النفاق ويهدم رموزَ الوثنية. ويتعرَّضُ للملاحقة، فيَهيمُ في البراري هارباً من يد ذوي السلطان. لكنَّ الله َكان معه، يوجِّهُه ويقوتُه ويُشدِّدُ عزيمتَه، وفي الآخر يرفعُه إلى المجد. ويُميِّزه عن سائر الأنبياء، بالرغم من أنَّ نبوءتَه لم تُكتَب ورسالتُه لم تُسجَّل بل بَقيَتْ شفوية تتناقلُها الأجيال. وبقي ذكرُه حيَّاً في العهدين القديم والجديد واسمُه يتردَّد على فم الأنبياء وحتى على فم السيِّد المسيح نفسِه. ملاخيا النبي يقول: " هاءنذا أُرسلُ إليكم إيليا النبي قبل أن يجيء يوم الربِّ العظيم الرهيب، فيردُّ قلوبَ الآباء إلى البنين وقلوبَ البنين إلى آبائهم ". ما الذي يمكن أن نتخذَه لحياتنا من هذا النبي؟ هيَّأ الرّبُّ إيليا لرسالته بالصمتِ والغيابِ عن العالم كلِّه: هكذا المعمدانُ، وهكذا المسيحُ نفسُه، وهكذا كلُّ حياةٍ رسولية: لا تنجح ولا تُثمِر ولا تستمر إلاَّ بالعودة إلى البريّة، إلى الصمت، إلى العمق. هناك الله " يقولبُ " رُسلَه كما يريد، ينفخُ فيهم روحَه على مهل، في الصمتِ والصلاة، يصنعُهم على مقاله: " روحاً محيياً خلاَّقاً، مُغيِّراً، ويُحوِّلُهم إلى رجالٍ من نارٍ ونور ". وهناك يُشدّ الله رُسلَهُ إليه كمحورٍ وحيدٍ ووتتلاشى التعلُّقات الأخرى، فيشخصون إليه بكامل قواهم لا بجزءٍ يسيرٍ منها فقط. الخلوة في "البريّة" كانت ولا تزال مدرسةَ الأنبياءِ والمرسلين العظماء. الصلاةُ أمام الله في الخلوة تُرهِف الآذان لسماع همساتِ الروح بانقيادٍ تامٍّ. وتُكوِّنُ رجلَ الروحِ القادرِ أن يُحطِّمَ آلهةَ الأرضِ كما فعل إيليا، وأن يرفعَ الإنسانَ من بهيميّتِه إلى إنسانيته أوَّلاً ثمَّ إلى الله. في البريَّة المجهولة تطهَّرَ إيليا من كلِّ روابط العالم. لم يكن يهمه اللباس ولا الأكل ولا الشرب. حصرَ همَّه في الله. وحطَّم كلَّ الآلهةِ الكاذبة. في البريَّة أي في العزلةِ والنُسكِ والصلاة تدرَّبَ إيليا على محبّةِ الله فخرج إلى ميدان الرسالةِ حاملاً الله وحده: لا يمكنكم أن تعبدوا ربّين... الله والمال، الله وبليعال..هكذا المسيحية الحقيقية ليست مسيحية مهادنة كما يقول الرسولُ بولس ويُناشد: "إلبسوا سلاح الله لتستطيعوا مقاومة مكايد إبليس فإنَّ مصارعتنا ليست ضدَّ اللحم والدم بل ضدَّ عالم الظلمة والأرواح الشريرة".