الضَميرُ، يا لَهُ مِن مُحالٍ! ها ثَلاثَةُ آلافِ سَنَةٍ، تَأخَّرَ قَرارُ مَحكَمَةِ العَدلِ الدَولِيَّةِ، "الإستِشارِيِّ، غَيرِ المُلزَمِ"، المُعتَبِرِ الإحتِلالَ الإسرائيلِيَّ المُستَمِرَّ "غَيرَ قانونِيَّاً"... أفي إحتِلالاتٍ أُخرى إستِلزاماتٌ قانونِيَّةٌ؟
سِرُّ لبنانَ أنَّهُ أقوى مِنَ الرَغبَةِ، وأفعَلُ مِنَ الكَينونَةِ. فِعلُهُ فِعلُ خَلقٍ، والخَلقُ تَجسيدُ المُطلَقِ في المَخلوقِ. تالِيَاُ، هو في الزَمَنِ وَلَيسَ لَهُ. وَفي الحَقيقَةِ وَلَها. بِذَلِكَ يَحيَا في قَلبِ الحَياة الإلَهِيَّةِ وَقَلبِ الحَياةِ الإنسانِيَّةِ... هَمُّهُ أن يُحيَا بِهِ. لِذَلِكَ، يَكثُرُ مُريدو طَمسَهُ: يَحَتَلُّونَهُ، لِيُخفوا حَقيقَتَهُ. يُشَوِّهونَهُ حِينَ لا يَتَمَكَّنوا مِن قَهرِهِ، وَيَستَلِبونَهُ إذ يُقهَروا في إحتِلالاتِهِمِ لِتُربَتِهِ-النِعمَةِ إلمِن فَيضِ مَجدٍ كُنهُها.
أجَمالُ حَقيقَتِهِ يَجرَحُهُمُ؟ بَلِ الحُبُّ ‒ألمِنهُ‒ هو جُرحُهُمُ الأزَلِيُّ. هُمُ عاجِزونَ عَن عَيشِهِ، رافِضونَ لِغَلَبَتِهِ، نَقيضُ الخَلاصِ ألحامِلُهُ الى العالَمِ، بِمِلئِهِ.
لا أصعَبَ مِن لبنانَ، لِنُفوسِ الإحتِلالاتِ، إلَّا دَعوَةُ لبنانَ ألحَفَرَها رُموزاً.
بِالأحرُفِ سَطَّرَ مَسحَةَ الروحِ تَواصُلاً بَينَ البَشَرِ، فَرَفَعَهُمُ لِلأُلوهَةِ المُتَجَسِّدَةِ كَلِمَةً في فِعلٍ، وَفِعلاً في حُرِيَّةِ، لا عَويلاً في تَناقُضٍ وَتَناقُضاً في تَلاغٍ. وَعلى ناووسِ أحيرامَ مَلِكِهِ، حَفَرَها تِلكَ الأحرُفِ رَمزِيَّةَ وِحدَةٍ لإمتِداداتِ المُطلَقِ اللافَناءَ لَهُ. فَكُلُّ ما سَتُبدِعُهُ الخَليقَةُ خَلقاً، هو مَنبَعُها الى ما بَعدَ مُنتَهى الأدهارِ. فيهِ وَمَعَهُ وَبِهِ.
تَبقى الهِدايَةُ لِسَبرِ أغوارِ ما يُرى وَما لا يُرى. ألَيسَت بِهِ وَمَعَهُ وَفيهِ؟
دَحضاً لِقَلقِ الغَوامِضَ وَزَوغَةِ المَجاهِلَ، رَسَّخَ إعتِناقَهُ لِمِلءِ حَقيقَتِهِ، بِنَجمَةٍ. إن رَأيتَها، إهتَدَيتَ الى المِعنى. لَمَستَهُ. صِرتَهُ. غَدا إيمانَكَ الرافِعَكَ الى فَوقَ.
نَجَمَةٌ سُداسِيَّةُ الأضلُعِ:
قَلبُها، شَمسُ الحَقِّ البازِغِ، والمُصانِ بِمُثَلَّثَينِ مُتَوازِيَّينِ. الأَوَّلُ، قاعِدَتُهُ لِلأعلى وَرأسُهُ لِأسفَلِ، يُجَسِّدُ إنحِدارَ الأُلوهَةِ صَوبَ البَشَرِيَّةِ، بَل إخلاءَ ذاتِ الخالِقِ في خليقَتِهِ الأسمى. والثانيُ، المُتَكامِلُ مَعَهُ والمُكَمِّلُ إيَّاهُ، قاعِدَتُهُ لِلأسفَلِ وَرأسُهُ لِأعلى، يُجَسِّدُ جَوابَ الخَليقَةِ بِعِناقِ الفَناءِ-البَقاءِ في الأُلوهَةِ. وَتَقاطُعُهُما جُذوَةٌ قِيامِيَّةٌ: خَلاصُ المَحبوبِ المُقتَبَلِ كَما هو مِنَ الحَبيبِ.
مَرئِيَّةُ الحِكمَةِ
نَجمَةُ لبنانَ تِلكَ رَفَعَها السومَرِيُّونَ والبابِلِيُّونَ رَمزاً لِلعِبادَةِ، وَشَرَّعَتها أُوغاريتُ رَمزاً لِعِناقِ الجِنسِ البَشَرِيِّ: الأُنوثَةُ في المُثَلَّثِ الرأسُهُ لِلأسفَلِ، والذُكورَةُ في الرأسه لِلأعلى، وَبِتَداخُلِهِما نُموّ الخَليقَةِ وَتَكاثُرِها.
والإغريقُ مِن ديوجينوسَ اللايرسي Διογένης Λαέρτιος الى كليماك السيريني Καλλίμαχος ὁ Κυρηναῖος...، يُؤَكِّدونَ أنَّ تاليسَ الفينيقيَّ-الُلبنانِيَّ هو أوَّلُ مَن كَتَبَ عَنها Άμαξα إنطِلاقاً مِن تَقاليدَ بَحَّارَةِ بِلادِهِ الجابوا العالَمَ مُتَّبِعينَها في قُبَّةِ السَماءِ. وَتَكريماً لَهُمُ، أسموها: "نَجمَةَ فينيقيا" Phoinikē، وَجَعلوها مَطهَرَةَ إلَهِ آلِهَتِهِمِ زوسَ حينَ إشمِئزازِهِ منِ تَصَرُّفاتِ الآلِهَةِ المُشابِهَةِ لِتَنابُذِ بَشَرٍ.
والرومانُ أسموها Stella Maris "نَجمَةَ البَحرِ"، بِها يَتَغَلَّبونَ على جَزَعِهِمِ الأكبَرِ: خَوضُ أنواءَ أليَّمِ.
وَفي جَزيرَةِ موتيا Motýa Μοτύα الفينيقِيَّةِ-الُلبنانِيَّةِ، التابِعَةِ لِصِقِلِيَّةَ الرومانِيَّةِ والمُقابِلَةِ لَقَرطاجَةَ، أعلى الُلبنانِيُّونَ-الفينيقِيُّونَ مُقاماً دينِيَّاً ثُلاثِيَّ الهَياكِلَ لِثالوثِهِمِ (الإلَهُ الأبُ، والإلَهَةُ الأُمُّ، والإلَهُ الإبنُ) عَلى بُحَيرَةٍ حَفَروها بالجَوفِ، غَيرَ مَروِيَّةٍ مِنَ البَحرِ بَل مَن ثَلاثَةِ يَنابيعَ تُشَكِّلُ وَتَرتيبَ الهَياكِلَ هَندَسِيَّاً إصطِفافاً يُكَرِّسُ أرضاً إصطِفافَ أضلُعِ تِلكَ النَجمَةِ السَماوِيَّةِ... مُستَبدِعَةِ دَمغَ الثِقَةِ لِلإيمانِ.
هي نَجمَةُ النورِ، الحِكمَةُ المَرئِيَّةُ لدينامِيَّةِ الحُبِّ، وَسطَ عالَمٍ مُظلِمٍ يَتَعالى أبراجاً وَيَستَعلي أسواراً... وَما إهتَدى.
...سَليبَةٌ هيَ اليَومَ، مِن إحتِلالٍ. أوَنَنتَظِرُ ثَلاثَةَ آلافِ سَنَةٍ لِتَستَيقِظَ مِحوَرِيَّةُ شِبهِ ضَميرٍ، لِتُحَرِّرَها، أو يَبقى العالَمُ أسيرَ الهالِكاتِ-الحالِكاتِ؟