من تابع منذ اسابيع قليلة حدة التصعيد في المواقف بين الرئيس الاميركي جو بايدن والادارة الاميركية من جهة، ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من جهة ثانية، لم يكن ليحلم برؤية نتنياهو مجدداً في البيت الابيض قبل موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية وما ستحمله من نتائج. ولكن ما حصل هو العكس تماماً، وها هو يقوم بجولة في ارجاء الولايات المتحدة ويلتقي كبار مسؤوليها، ويتحضر للقاء بايدن في البيت الابيض بعد ساعات.

يرى البعض من المحللين والمتابعين لمجريات الاحداث ان زيارة نتنياهو اكثر من مجرد لقاءات واثبات وجود، اذ اعتبروا انها بمثابة جولة "الفائز" يقوم بها في عرين الحليف الاقوى لاسرائيل، والى جانب اكثر من اعترض على اساليبه وخططه. اما اعتبارات "الفوز" فتعود الى امور واقعية واخرى يتم التحضير لها، ففي المواضيع الواقعية، هناك انتصار حققه نتنياهو بمجرد صموده في منصبه طوال هذه الفترة على الرغم من كل المشاكل في الداخل والخارج التي اعترضته، وعرف كيف يحافظ على حياته السياسية وتخليص نفسه من حبل المحاكمات والانقلابات. ولا ننسى ان وجود رئيس الوزراء الاسرائيلي في عاصمة اهم دولة في العالم، هو تحد مباشر للمحكمة الجنائية الدولية، واعادة اعتبار له في ظل مذكرات الاعتقال بسبب "جرائمه" ضد الانسانية التي ارتكبها ضد الفلسطينيين في غزة. كما ان الزيارة تأتي ايضاً في وقت اكثر من مناسب، بعد قرار محكمة العدل الدولية باعتبار اسرائيل محتلة للاراضي في الضفة والقدس الشرقية وهي بالتالي تنتهك القانون الدولي، اذ يظهر وكأنه يحظى بدعم واشنطن وباقي الحلفاء الغربيين للتقليل من اهمية هذا القرار واعتباره وكأنه لم يكن.

اما في سياق الامور التي يتم التحضير لها والتي تساعد على اعلان "انتصار" نتنياهو، فهناك اولاً مغادرته لتل ابيب للمرة الاولى منذ الحرب على غزة، وهو اراد بذلك الايحاء بأن الامن عاد الى حد ما الى اسرائيل، ويمكنه مغادرة منصبه لفترة من الوقت مطمئن البال، فيما بدأت ماكينته السياسية والاعلامية تروّج لخسارة "حماس" التي "لم تعد كما كانت، وباتت تقبل بأمور لم تقبل بها سابقاً"، للقول بمعنى آخر ان سياسته اعطت ثمارها، وانه لم يرد على احد واستمر في حملته حتى تحقيق اهدافه فـ"ضعفت" حماس وفقدت الكثير من قدراتها، واصبح الاتفاق معها اسهل من قبل. ومن اللافت ايضاً التوقف عند ما اعتبره العديد من المحللين والمتابعين على انه التمهيد للوصول الى اتفاق، او في درجة اقل، المحافظة على الستاتيكو الحالي القائم، ليس فقط في غزة، انما ايضاً في المنطقة ككل وعلى الحدود مع لبنان بطبيعة الحال.

سيحاول نتنياهو الاستفادة قدر الامكان من جولته الاميركية، وسيحاول الاميركيون بدورهم الاستفادة على قدر استطاعتهم من الترويج لنجاح سياستهم التي عملوا عليها والتركيز على انهم كانوا الحجر الاساس لمنع انفلات الاوضاع في المنطقة، او اتساع رقعة الحرب لتشمل المنطقة والمخاطرة بانضمام دول من خارج الرقعة الجغرافية الشرق اوسطية الى الصراع، مع كل ما يعنيه ذلك من تعقيدات لا يمكن التنبؤ بتداعياتها، مع اضفاء بعض "البهار" الاميركي على هذه المعطيات من خلال التهديد بفرض عقوبات على وزيري الامن القومي والمالية الاسرائيليين، وهو امر ابعد من الممكن، خصوصاً في ظل وجود نتنياهو في واشنطن، ولا يمكن لعاقل ان يصدقه في ظل المعطيات الراهنة، لان خروج الوزيرين من حكومته سيعني القضاء عليه سياسياً، وهو ما لن يحصل في المدى المنظور. من هنا، تتعزز معطيات التوصل الى اتفاق او تسوية مرحلية، بعد التسويق "لانتصار" اسرائيلي لا اساس له على ارض الواقع، و"فوز" نتنياهو بالنقاط على رقعة الشطرنج التي لا تزال احجار حماس وحزب الله والحوثيين وايران تشكل خطراً حقيقياً عليه.