لم تفز بعد نائبة الرئيس الاميركي الحالية كامالا هاريس بتسمية المرشحة الرسمية للحزب الديمقراطي كبديلة عن الرئيس جو بايدن الذي تنحى عن السباق الرئاسي لولاية جديدة، ولكن وفق مسار الامور، فهي على بعد خطوات قليلة من الفوز بهذه التسمية، وبدأت بالفعل اتصالاتها ومشاوراتها لاختيار نائب للرئيس يسير معها على درب الانتخابات المقبلة في مواجهة الخصم الجمهوري العنيد دونالد ترامب ونائبه المقترح "جاي دي فانس".

انتخابات العام 2020 كانت الاكثر حماوة في التاريخ المعاصر للولايات المتحدة الاميركية، مع ما رافقها من اعمال شغب واقتحام لمبنى الكابيتول، ورفض ترامب في حينه التسليم بنتائج الانتخابات قبل ان يتراجع، ولسخرية القدر، كاد المشهد ان يعاود مجدداً لو بقي بايدن على اصراره على خوض الانتخابات (ولو كان قادراً بالفعل على ذلك)، مع كل ما يحمله من خوف وقلق.

المخيم الجمهوري كان يتحضر لمثل هذا السيناريو، فيما المخيم الديمقراطي كان ضائعاً ومشتتاً، وهذه نقطة لصالح الجمهوريين، اضافة الى نقاط اخرى قد تصب في مصلحتهم ابرزها التشكيك في صدقية هاريس والمحيطين ببايدن لجهة عدم الكشف عن المشاكل التي يعاني منها (الظاهر منها على الاقل: قلة التركيز وعدم ترابط الافكار والسهو في ما يتعلق بالاسماء والاماكن...)، وقلة الفترة الفاصلة بين كسب الترشيح الرسمي والانتخابات لانّ على الديمقراطيين ان يثقوا بهاريس وبمن سيكون الى جانبها من دون ان يعرفوا هويته قبل ايام قليلة، او ربما خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي العام الذي سيقام ما بين 19 و22 آب المقبل، والذي سينبثق عنه المرشح الرسمي للديمقراطيين لمنافسة ترامب. صحيح ان هناك الكثير من النقاط التي تضع هاريس في موقف جيد امام منافسها، ولكن في المقابل هناك نقاط اخرى تضع الشكوك حولها، وفي مقدمها عدم استعداد الاميركيين لاجراءالتغيير المنشود وايصال امرأة الى اعلى منصب في الدولة، ناهيك عن كونها من البشرة السوداء. ولا يمكن الاعتداد بانتخاب باراك اوباما كأول رئيس اسود لاميركا للقول ان الاميركيين اثبتوا انهم جاهزون للتغيير، لانه لا يجب ان ننسى ان الجيش الاميركي لا يزال مبنياً على عقدة التفوق الذكوري، بدليل عدم تولّي امرأة منصب وزير الدفاع منذ عام 1947 حين كان جايمس فورستال اول وزير دفاع اميركي، وحتى الوزير الحالي لويد اوستن. فكيف سينصاع ضباط مختلف وحدات الجيش الاميركي (البرية والجوية والبحرية...) لاوامر امرأة تشغل منصب القائد الاعلى للقوات المسلحة؟ اذا تم تجاوز هذه النقطة، فستكون حظوظ هاريس في الفوز بالرئاسة اكبر بكثير وستذلّل عقبات ضخمة من امامها في طريقها الى البقاء في البيت الابيض انما في منصب الرئيس.

النقطة الثانية البارزة في انتقاد هاريس ستكون غيابها التام عن الصورة خلال الاعوام الأربعة التي قضتها كنائبة لبايدن، فكادت ان تكون منسية، وهو امر يسجّل عليها امام الناخبين الّذين كان يجب ان يعرفوها بشكل اكثر جدّي بفضل منصبها، وهو ما لم يحصل، وسيقولون ان هذه التجربة كافية لاثبات عدم احقيتها في الرئاسة. وهناك نقاط اخرى كثيرة يمكن البناء عليها من قبل الجمهوريين لتقويض ثقة الناخبين بهاريس، وعلى الرغم من النقاط الايجابيّة العديدة ايضاً (منها قدرتها على اعادة توحيد الديمقراطين في وقت قصير، وجمع مبلغ من المال للحملة الانتخابية في 24 ساعة لم يحققه احد من قبل بلغ نحو 80 مليون دولار، وتوقع تفوقها على ترامب في اي مناظرة انطلاقاً من خلفيتها كمدّعية عامّة فيما تمّت ادانة ترامب...) تبقى النقطة الاساس معرفة مدى استعداد الاميركيين لاجراء التغيير الاشمل، وتقبّلهم وصول امرأة لتحكم الولايات المتحدة الاميركية، واظهار ان العقلية (وبالتحديد عقلية العسكريين الاميركيين) قد تغيّرت بشكل جذري.

هذا هو التحدّي الاكبر لهاريس وللناخبين الاميركيين على حد سواء، فهل ستكسر القاعدة على غرار اوباما، ام انها ستعاني من عقدة الذكورية وتشاهد ترامب يتفوق عليها كما فعل مع هيلاري كلينتون؟.